إغتيال حلم بكر..وفتيات في مواجهة الاستغلال
رام الله-راية:
ندين نخلة-
هناك، على منصة التخرج في جامعة بيرزيت، وبعد أربع سنوات من الجد، تماماً كما تخيلت في سنواتها الأولى...
كانت تجلس في الصف الأول حيث يجتمع خريجو الاعلام، كل ما حولها يلفت انتباهها، فتنظر إلى المرآة كل نصف دقيقة، ولا تعير اهتمامًا لذلك الذي يكرر كلمات التخرج ووداع الجامعة والشكر والثناء والغناء.
"لتقل الواحدة منكن لنفسها، لقد خلقت لأكون جميلة، قوية، شجاعة وذكية"، تميل برأسها نحو المنبر، وتقف عند تلك الكلمات التي شعرت، وكأن قائلها-رئيس الجامعة- يخاطبها وحدها، كما شعرت في تلك اللحظة فقط أن عتبات العمل باتت قاب قوسين أو أدنى من تلك المنصة التي تجلس عليها.
وقف موكب الخريجين، أقسموا وتعهدوا بأن يكونوا في عملهم مخلصين، وكأن أحلامها التي نسجتها للحصول على الوظيفة الحلم على وشك أن تصبح حقيقة.
خرج الموكب مسرعًا، التفتت إلى الخلف، حيث المقاعد شاغرة، وأكملت الطريق، مرددة بينها وبين نفسها "خلقت لأكون جميلة، لأكون شجاعة، لأكون ذكية"...
عن أولى مقابلات العمل، تقول سلام التي درست الإعلام في جامعة بيرزيت إن "مخرجًا تلفزيونياً يكاد يكون بعمر والدي، يعمل في احدى المحطات الكبيرة بحاجة الى مساعد مخرج، هاتفته فطلب مني الحضور إلى مكتب الانتاج المسؤول عنه خارج مكان عمله الرسمي بسبب ضيق وقته" تسترسل سلام بالوصف وقد بدأ التوتر يعتريها وتصف ما حدث لاحقاً.
"لم يكن في المكتب غيرنا، حتى مصافحته كانت غريبة لكني بتلك اللحظة ابتسمت خزيت الشيطان وظنيت النية الحسنة وجلست". لكن الأمر لم ينتهي هناك كما تقول سلام حيث طلب منها الرجل "ألا تقلق، فلن يكون العمل متعب، وقال لها "سنخرج سويا ونطلب الاراجيل! ونقضي وقتا ممتعا".
تقول سلام: جلست على طرف المقعد وأنا أرتجف، عيناي تتساءلان عن أي عمل يتحدث قاطعني "شو بتحبي تشربي.. لا شكرا، معناها يلا نطلع نقعد بمكان نتسلى". استجماع شجاعتها احتاج وقتاً أكثر مما توقعت تقول سلام وكأنها تستغرب نفسها "كررت بيني وبين نفسي، لقد خلقت لأكون شجاعة، سأكون شجاعة.. سأكون" قالتها سلام بينها وبين نفسها قبل أن تخرج مسرعة من ذلك المكان، "وقفت ووجهي مصفر أمام باب المبنى، استنشقت الكثير من الهواء، أغمضت عيني فإذا بي أعود بالذاكرة إلى منصة التخرج، قريبا من تلك الكلمات، مسحت منها أول جزء " لقد خلقت لأكون جميلة"، تقول الجمال لا ينفع في هذا البلد، وكتبت بالخط العريض "قوية، شجاعة وذكية".

أما منال، فقد تخصصت بعلم الحاسوب من جامعة القدس في أبو ديس، أخبرها المدير المسؤول عنها بالبداية، أن هناك فترة تجريبية على أساسها يتم التثبيت، أعطت كل ما تملك من طاقة لهذا العمل، وكان المدير أساسا يشيد بنشاطها وحماسها، وبقي كذلك حتى اللحظة التي طلب بها منها عملا لم تستطع القيام به. "شو رأيك تعمليلي مساج و ع الساعة بتاخدي 100 دولار" تظاهرت بالغباء بسبب حاجتها للعمل وأجابته أن هذا ليس من ضمن اختصاصها".
تساءلت منال ان كانت الفترة التجريبية للتأكد من امكانية استغلالها بتلك الطريقة، وقالت ساخرة "فليعلن عن حاجته لأخصائية علاج طبيعي منذ البداية وليختصر على نفسه عناء البحث وألم المفاصل".
وسواء اختلفت القصص أو تشابهت، يبقى الأذى واحد، التقت "رايــة" بأمل، خريجة تجارة من جامعة بيرزيت، تقول أمل:
هاتفتني إحدى الشركات التي قدمت طلب توظيف لديها، بدأت التحضير فورًا، الملابس والقراءة والإجابات، لم أنم في تلك الليلة من شدة الحماس، حتى حان موعد المقابلة، بدأ مدير الشركة يسأل الاسئلة المعتادة والتي كنت قد حضرت لكل تفاصيلها، شيئا فشيئا أصبح الحوار يأخذ منحىً آخر، شعرت بالغرابة، والخوف قليلًا، خاصة عندما بدأ يوجه أسئلة ذات ايحاءات "جنسية"، هربت ولم أعاود الرد على اتصالاته، تضيف أمل أن أكثر ما لفت انتباهها، أن الاعلان نفسه بقي لعدة أشهر، وكأنه إعلان وهمي.
وفي شركة أخرى، كانت إحدى الأسئلة الأساسية في مقابلة العمل للمتقدمات "كيف ستكون ردة فعلك في حال قام مديرك بالفرع الذي ستعملين به، بالتحرش بك؟"، كما أخبرتنا هبة التي كانت تعمل في هذه الشركة، فقد أثار استغرابها إصرار المدير على إحضار موظفة، ورفض الذكور في وظيفة لا فرق إن شغلها ذكر أم انثى، وصعقها السؤال الموجه للمتقدمات، وكأن الشركة تحضر نفسها لشيء متوقع من أحد مدرائها!
لمى مرت بقصة مشابهة، إذ وصلتها رسالة على "الفيسبوك" في أحد الأيام، من شخص قابلها في إحدى الشركات، أخبرها أنه بحاجة لمتدربة إن كانت معنية، "بصراحه لما عملت معك مقابلة حسيتك اكتر وحده شاطرة وملحلحه، بس الشركة عندهم حساباتهم الخاصة، ماشاء الله عنك بتجنني، واموره وشاطرة كمان".

يتبع....
إن لـ يتبع في هذا التقرير، معنى دلالي فقط يشير أن للحكايا بقايا وتتمات وربما بدايات وأبطال جدد، في ظل عدم وجود قانون أو نظام يردع هؤلاء المتحرشين ومن يستغلون مواقعهم ومناصبهم للإيقاع بالفتيات الخريجات والباحثات عن بداية ما لحياتهم المهنية.
يتبع لأن تتبع هذه الحالات ورصد مثل هذه الممارسات ممكنة لكن متابعتها تكاد تكون مستحيلة، فوزارة العمل مثلا، تعتبر أي قضية تحصل للمتقدمات للعمل، قبل عملية التوظيف والمباشرة فيه، خارج اختصاصها، وعلى الضحية هنا التوجه للشرطة في حال ارتأت تقديم شكوى، بحسب مدير عام التشغيل في وزارة العمل سامر سلامة.
التقت "رايــة" المحامية هنادي حميدات في مركز المرأة للارشاد القانوني والاجتماعي، واستشارتها حول حيثيات تقديم الضحية لشكوى، وقالت حميدات: "يمكن للضحية تقديم شكوى في حال كان لديها دليل ملموس وواضح يدين الطرف الآخر، وفي حال قدمت دليلًا صريحًا، فإن العقوبة تندرج تحت اسم "الأفعال المنافية للحياء العام"، ويتراوح هنا الحكم ما بين أسبوع و 3 أشهر، مع إمكانية الخروج بكفالة تساوي نصف دينار مقابل كل يوم سجن".

