عامل النظافة: مفتاح المدينة وعنوانها
الخليل- رايـة:
طه أبو حسين
عند الخامسة فجراً، وعلى مدار سبعة عشر عاماً، صيفاً وشتاءً، يخرج أحمد حسن النجار (39 عاما ) من منزله في قرية الريحية عند الأطراف الجنوبية لمدينة الخليل، قاصداً عمله وسط المدينة، لينقذها من القاذورات والنفايات قبل أن يشرع أهلها بعناق الحياة مع مطلع كل يوم جديد.
بانسيابية عالية يجرّ أحمد عربته الخاصة بجمع النفايات في شارع السلام الذي يعتبر من أكثر الشوارع اكتظاظاً بحركة المركبات والمواطنين لا سيّما لوجود البنوك فيه. دون أن تغيب الابتسامة عن وجهه وبمحبة عالية بما يفعل؛ يكنس الشارع والرصيف ويجمع النفايات ثم يضعها في عربته حتى تمتلئ فيفرغها بالحاوية الكبيرة في المنطقة.

245 موظفا يعملون في قسم النظافة ببلدية الخليل مقسمون على ثلاث فترات، أحدهم النجار "أعمل تقريباً خمس ساعات متواصلة يومياً، عملي جميل، لكن بعض الناس مستفزة، فبعد تنظيف الشارع تجد البعض يرمي النفايات على الأرض مباشرة وبشكل متعمد، وهذا الأمر مستفز جدا".
النجار أب لسبعة أطفال، يحرص على توفير كافة احتياجاتهم بعرق جبينه "كنت عاملاً على السيارات بداية عملي في قسم النظافة ببلدية الخليل، وبعدها عدت للعربة، أنظف الشارع من الساعة السادسة صباحا، وبعد التاسعة تجد الشارع كما لو أنك لم تنظفه، فأعود وأنظفها مجددا، والسبب غياب الثقافة عند البعض".

في الشتاء يزيد الطينة بلّة؛ غير أن العمل لا مفر منه، حتى أن النفايات تزيد ربما أضعافاً خلاله، والنجار يتعامل معه ضمن قاعدة إدارة الوقت واقتصاده، يحصن نفسه بالملابس ثم يدخل محراب العمل بجهد ونشاط كبيرين حتى ينتهي منه في أسرع وقت وذلك قبل أن يتبلل فيصيبه المرض.
نجح النجار في خلق علاقة طيبة مع أصحاب المحال التجارية والسكان في المنطقة التي يعمل بها، ويعتبر ذلك سبباً أساساً في نجاحه كون محبة الناس رأس ماله الحقيقي كما يعبر. "لم يعتدي عليّ أحدا، كل الناس يحبوني، وكلما قلت أني سأنتقل من مكان عملي يقول لي الناس سنذهب للبلدية لإبقائك عندنا".
الحياة بسيطة رغم تعقيداتها، وكلمات النجار أبسط "لا أذكر موقفا صعبا مررت به طول فترة عملي، فالعمل يسير بشكل جيد، لكن أجمل المواقف عندما أضحك مع الناس أثناء العمل، خاصة لما يقول لي أحدهم (يعطيك العافية)، أو يقدموا لي الشاي والقهوة، فهذه الأمور تشعرني بالمحبة ورغبة المواصلة بجهد أكبر".

كلّ ما يتمناه ويسعى إليه النجار أن تبقى مدينته نظيفة لأنها تعكس صورة سكانها، ورسالته يوجزها "أتمنى من المواطنين عدم رمي النفايات على الشارع، وأتمنى ممن يرمي النفايات من السيارات عدم رميها لأنها تتسبب بكوارث".
مسؤول عمال النظافة في بلدية الخليل فضل جابر يقول أن القسم يحتوي على 245 موظفا، 18 سيارة كبيرة، كباشين اثنين، سيارتين صغيرتين، وقرابة 150 عربة يدوية مقسمة على الفترات الثلاث.
جابر يلخص أهم الإشكاليات التي يتعرض لها عمال النظافة "عدم تعاون المواطن مع عامل النظافة، وخاصة التجار، بحجة أنه موظف ويأخذ أجرته وهذا عمله يرمون النفايات على الأرض، وبعض السكان يرمي النفايات من النوافذ، والبعض لا يحترمون العامل كونه عامل نظافة.
ما يبحث عنه جابر إيجاد ثقافة التعاون الحقيقية على أرض الواقع، معللاً ذلك "لو جئنا بألف عامل لن يفيد ذلك بشيء، والسبب غياب التعاون، فالبعض متعاون، والبعض الآخر لا يتجاوبوا، فنأخذ بحقهم مخالفات قانونية رادعة لأنهم ينصاعوا بعد ذلك".

