"أبوناصر": أب لثمانية أولاد وارض وحيدة
نابلس- راية
سامر عودة-
الفرح في روابي قصرة كالثأر، مؤجل من جيل لجيل، أما أهالي هذه القرية النائية فتهجئوا الحزن والقلق قبل أن يتقنوا الحياة. فقصرة، جنوب شرق نابلس، بدونماتها ال 13 ألف، وسكانها 6300 نسمة، هي خط الدفاع الأول في مواجهة 3 مستوطنات تحيط بالقرية من ثلاث جهات وهي (ايش كودش ويحيى من الجهة الجنوبية، ومجدليم من الجهة الشمالية).
لكن هذه الروابي، تشهد لرجل، يخرج من خرافتها ليجسد القدوة والواقع، فتغزو الخشونة يديه، وتبسط التجاعيد نفوذها على وجهه البائس لكنها لا تحول دون إبتسامه جذابة تشق ثغره، ورغم صعوبة حركته يغرس ويزرع، يحصد ويقطف..إنه العم أبو ناصر..
الحاج عبد المجيد توفيق "أبو ناصر" (67 عاما)، اعتاد على ما يبدو مناكفات جيرانه-ثقال الظل كما يصفهم- منذ ما يزيد على عقد من الزمان، فمنزله الذي لا يزال يسكنه رغم كل المحاولات "لتطفيشه" يتوسط المساحة بين 3 مستوطنات تجثم على أراضي القرية وتلتف حولها كمشنقة تحول بينها وبين الحياة الطبيعية.
يجلس أبو ناصر على مدخل مزرعته، ناظراً لتلك المستوطنات الثلاث التي أقيمت عنوة على جبال بلدته، يحرك بحبات "السبحة"، قائلاً بعد تنهيدة طويلة "ما زلنا تحت وطأة الاحتلال، ونعاني أشد الاعتداءات بشكل متواصل".
ويتعرض أبو ناصر كغيره من سكان القرية للعديد من الاعتداءات التي يقول أن المستوطنين يتعمدون توقيتها مع غياب الرجال عن منازلهم لترويع النساء والأطفال.
ويصف أبو ناصر الخطوات التي يتخذها مع أهالي القرية حال وقوع الاعتداء " ماباشرة يتم التواصل مع رئيس البلدية الذي بدوره يتواصل مع لجان الحراسة لحماية المنازل والتصدي للاعتداء، الذي غالبا ما يكون من مستوطنة (ايش كودش) نظرا لايوائها مستوطنين متطرفين".
قبل أربع سنوات، كان منزل أبو ناصر وعائلته على موعد مع أعنف هجوم للمستوطنين، حيث احتجزوه برفقة زوجته بإحدى غرف المنزل، الذي عاثوا فيه خرابا ودمارا وكسروا نوافذه التسعة، وعلى إثرها اندلعت مواجهات عنيفة بالبلدة أدت لإصابة أحد الشبان بطلق ناري أطلقه مستوطن.
لم تنتهي معاناة أبو ناصر مع المستوطنين، ويضيف أنه أثناء رعي الأغنام في الجهة الجنوبية من البلدة، اعترض طريقه اثنان من المستوطنين برفقة كلبهم واعتدوا عليه بالضرب المبرح ومزقوا ملابسه "هددوني بعدم العودة لهذه الأرض بادعاء أنها لهم، وتوجهنا إلى ارئيل لتقديم شكوى ضدهم برفقة الباحث الحقوقي فراس العلمي، وسجلت النتيجة ضد مجهول"، حيث لم تكن هذه المرة الأولى التي تُسجل ضد مجهول، ففي وقت سابق تعرضوا لاعتداء وبعد تقديم شكوى لمخفر بنيامين في مخماس تكررت النتيجة ذاتها.
ويشكل عام 2011 تاريخ لا يمكن أن ينساه أبو ناصر، فهو العام الذي أعدمت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي الشاب عصام عودة ، إثر صده لهجوم المستوطنين على منزل أبو ناصر الذي تم احتجازه فيه برفقة عائلته، وقاموا باقتلاع الأشجار في المنطقة الجنوبية من البلدة.
ولم يمضِ شهران على استشهاد عودة حتى تعرض أبو ناصر لإطلاق نار في قدمه من قبل قوات الاحتلال أمام منزله، ما جعله يعاني من إعاقة حركية دائمة.
إلا أن العجز بالنسبة للعم أبو ناصر لم يكن بحركته بقدر ما كان بقدرته على التعبير عن حجم الغضب الذي يعتريه وأهالي قصرة بعدما خذلهم صناع القرار وتركوهم لقمة سائغة لوحش الاستيطان المستعر..،وأمام صمته أدركنا حجم ما لم يستطع التعبير عنه بالكلمات فشلت لغتنا.