الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:11 AM
الظهر 11:40 AM
العصر 2:25 PM
المغرب 4:49 PM
العشاء 6:10 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

قطاف الزيتون.. طقوس تمحو المشقة

 

رام الله- رايــة:

مجدولين زكارنة -

يبدو ان "فلفل" سينتظرُ طويلاً اليوم، فأصحابه امامهم ساعات كثيرة من العمل، لا يقطعها الا كوب شاي ساخن مغلي على الحطب يُشرَبُ على عجل.

و"فلفل " هو اسمٌ اختارته العائلة لـ "التراكتور" الذي يستقلونه ذهاباً واياباً من ارض الزيتون الخاصة بهم.

فمنذ الاف السنين، ومع بدايات اكتوبر، يبدأ موسم قطاف الزيتون في فلسطين، حيث يتراكض اليه الجميع صغارا و كبارا بطقوس جميلة تحلو باللمات العائلية التي لا تخلو من تبادلِ النكات وتراشقِ الذكريات.

فحكايا الاجداد وترانيم الجدات لا تُسمع الا اثناء القطاف، مشقةٌ لا بد منها.

شمسٌ حارة، غبار واتربة وتسلقٌ على الاغصان، لكن، ما ان ينتَهي الموسم حتى ترى الخير يعم البيوت، شلالاتٌ من الزيت وذهبٌ على شكل حبات خضراء يملئ المنازل والمتاجر.

وفي قرية بيت ريما المشهورة بجودة زيتها حللنا ضيوفا على يومِ قطاف لعائلة ابو فادي الريماوي.

بأيدٍ حنونة ووجه باسم كانت ام فادي تعمل على فصل ورق الزيتون عن الحَب المتناثر على شادر بلاستيكي، ولا ترى في كبر سنها عائقا لتشارك اربعة من ابنائها موسم القطاف.. أبناء رضعوا حب الارض والزيتون، كما الحليب.

وعلى مدار عام كامل تمتد عناية أبو فادي وولده علاء بزيتونات العائلة التي "لا تقل غلاوتها" عن أولاده كما يقول، فيحرث الارض ويعزلها، يتفقد الموسم ويشرف على حبات الزيتون ليعود للعائلة بالخبر اليقين لتاريخ انطلاق الموسم.

ويقول علاء: "الحر هذا الصيف ساعد في نضج الزيتون وهناك اولوية للاراضي القريبة من الشوارع".

القطف قديما اصعب، كان الحب يتساقط مباشرة على الارض لم يستخدموا المفارش وكانت طريق العودة من يوم قطاف طويل ركوبا على الدواب، خلالها يتبادل اهل البلدة السلام والتمنيات بموسم قطاف وفير.

موسم "الجداد" يمتد قرابة الشهر تحاول خلاله الجدة تنمية روح الاعتناء بالارض وبشجر الزيتون لدى احفادها، قائلة: "طلب مني احفادي أن يرافقوني صباحا الى الارض الا اني رفضت بسبب ضرورة توجههم الى مدارسهم".

اما احلام التى بدا عليها الحماس رغم حرارة الشمس تقول: "اتعمد تاخير اجازاتي السنوية في العمل كل سنة للمشاركة في قطف الزيتون فهو أمر مقدس بالنسبة لي".

يملك الاخوة الأربعة، أبناء أبو فادي، ذكريات جميلة يحملونها منذ القطاف الفائت ينبشون من خلالها عن ضحكات صادقة تهون عليهم مشقة العمل التي تزول مع اول تنكة زيت تخرج من المعصرة لتكون ملكة على المائدة فور وصولها الى البيت.

أما كوب الشاي فلا مذاق احلى من ابريق شاي غُلي على الحطب... وتعطّر برائحة الأرض والزيتون... لحسن حظنا اننا حظينا بكوب منه.

حبات زيتون مخلله والقليل من البندورة والخيار الى جانب البصل الاخضر والكثير من الزيت أطيب ما يمكن أن تأكله في منتصف يوم شاق من القطاف، وهذا ما اجتمعت العائلة على حُبه.

حاولنا توثيق اغنيات زيتون مخبئة في ذاكرة ام فادي فاستجابت بحب وتلت حنجرتها على مسامع الحاضرين كلمات ذهبية.. نصت الجميع ترحيبا .."يا زيتونتنا هري ذهب هري يا زيتون يا ورق جرجيري".

أما الجاروعة كما يسمونها هي مسك الختام .. طقوس اعتادت عائلة ابو فادي تطبيقها في اخر ايام القطاف ..وهي بمثابة احتفال بانتهاء موسم الخير وتتم بحضور جميع افراد العائلة خلالها يتناولون "الحلقوم ورأس العبد والبسكويت" تقول احلام: نحرص على تطبيقها في كل موسم ولها متعة لا تضاهى".

احتفالات الزواج ايضا ترتبط بموسم الزيتون فما ان تنتهي ايام القطاف حتى تهيئ العائلة نفسها لتزويج أحد أبنائها العازبين من ايرادات بيع فائض الزيت والزيتون حتى ان البعض يشبه ذلك بـ"العائد من امريكا" كنايةً عن "وفرة النقود" كما تقول احلام.

تصر ام فادي على مرافقة نجلها الى معصرة الزيتون وبقلب متلهف تنظر الى حبات الزيتون وهي تقدم ألذ ما لديها من زيت ... وتجد في ذلك متعة تساوي العثور على سبائك من الذهب.

ويبيع علاء الزيت الفائض بـ 400 شيكل للتنكة ويوضح علاء: "التسعيرة لا تحددها اي جهة انما نبيع حسب الدارج في البلدة"، اما عن تسويق الزيت والزيتون فلا تساعد وزارة الزراعة المزارعين في تسويقه على ما يبدو كما يقول علاء.

وتغيب الشمس معلنة انتهاء يوم طويل من القطاف يتبعه حمام ساخن يزيل تعب العائلة لينطلقوا بهمة ونشاط مع شروق شمس صباح اليوم التالي، آخذين معهم كل الامل بأن يعود عليهم موسم العام القادم بكثير من الزيت والزيتون الذي لا يتلذذون بمذاقه الا مع رغيف خبز ساخن وذرات من الزعتر الاخضر.

Loading...