في غزة.. عامل البناء بدرجة الدكتوراة !
غزة- رايــة:
سامح أبو دية-
لم يتردد محمد العالم، دكتور علم الاجتماع الجنائي، كثيراً في اتخاذ أصعب قرار قد يتخذه أكاديمي مثله يوماً؛ أن يعلق شهادته العليا على الجدار فيما يتعلم صنعة "البناء" من أجل مواجهة مصاعب ومتطلبات الحياة والهروب من شبح البطالة المتفاقمة في قطاع غزة، علًه يتعلم بناء جدران تحطمت عليها طموحاته وأحلامه.
ثماني سنوات من الدراسة والاجتهاد لم تشفع له ولم تسعفه في الحصول على فرصة عمل مناسبه لتحصيله العلمي، فقد كان يأمل بالعمل في تخصصه النادر وخدمة وطنه، الا أن بلاده التي اختار العمل فيها دون أخرى قد خذلته، وأقحمته في جيش "البطالة" الذي يحوى مئات الآلاف من الخريجين الشباب، والذين تجاوزت نسبتهم 70%.

محمد (35 عاماً) متزوج ولديه طفلة الآن، تخرج من الجامعة ثم واصل دراسته العليا حتى حصل على درجة الدكتوراه من جمهورية مصر العربية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، ثم عاد لغزة عام 2013 ليصدم بواقع صعب للغاية ويعاني من صدمة لاحقته حتى الآن.
"الدكتور" محمد أو "عامل البناء"، كل المفاهيم تغيرت في حياته، فقد اضطر مكرهاً لارتداء ثوب غير الذي كان يلبسه سابقاً، حتى بات حديثه عن مواد البناء والإسمنت أكثر من حديثه العلمي الذي كرّس كل حياته لتعلمه، وبدلاً من الحديث عن الجريمة وطرق مكافحتها والوقاية منها، أصبح يتحدث عن الاسمنت وتوفيره في ظروف الحصار المفروضة على القطاع.
رفض الدكتور العالم العديد من فرص العمل في الدول العربية وخاصة الخليجية منها، قبل قدومه الى غزة، مفضلاً العودة لوطنه بتخصص نادر ومهم يحتاجه الوطن بمؤسساته الرسمية والحكومية والتعليمية.
3 سنوات لم يترك الدكتور العالم باباً الا وطرقه أملاً في ايجاد وظيفة تليق به، دخل جميع الوزارات والمؤسسات والجمعيات فلم يجد فرصته، يقول: "العمل لم يكن عيباً في يوم ما، ولكن العيب هو حرمان المسؤولين وأصحاب القرارات لمئات الخريجين من حملة الشهادات العليا من فرص عمل تليق بهم بل وتخدم مجتمعهم".
المفارقة المبكية بالنسبة لنا كانت عندما رأينا الدكتور أو عامل البناء، يصارع كيس اسمنت حمله فوق كتفيه النحيلين حتى كاد يسقطه، كيف لا ووزن الدكتور العالم لا يزيد عن وزن كيس الاسمنت بأكثر من خمسة كيلوجرامات فقط!!
يبدأ العالم العامل يومه في السابعة صباحا وينتهي في ساعة غير محددة من كل يوم، وكغيره من العمال يتقاضى بين 30 – 40 شيكل لليوم الواحد، يقول: "كل ما أتمناه الآن أن أتعلم مهنة البناء كي يرتفع أجرى قليلاً، وتحسين ظروف بيتي".
"أبو ضياء" رب العمل، لم يتفاجأ من طلب الدكتور العمل معه في البناء، في ظل واقع الخريجين الكارثي وعدم ايجاد الكثيرين لفرص عمل مثله، غير أنه يشعر بالحرج عندما يطلب من الدكتور اتمام عمل ما، كونه أعلى درجة علمية منه ومن كل العاملين معه.
وفي موقف طريف، كانت قد أعلنت احدى الجمعيات بغزة عن وظيفة، فسارع العالم للتقديم لها، علماً أنه اضطر لتغيير مكان الاقامة في سيرته الذاتية المُقدمة حتى يظفر بالوظيفة، ثم قابل المسؤولين وكانت مدة المقابلة نصف ساعة، وفي النهاية تم قبوله، ليتفاجأ أنها لمدة 6 ايام فقط بمبلغ 60 شيكل لليوم الواحد، والأكثر غرابة أنه استلم أجرة الستة أيام بعد 9 أشهر.

تكلفة الدراسات العليا مرتفعة جداً، فقد استثمرت عائلته كل مالها في تعليم ابنها، حتى أن والدته قد ادّخرت مبلغاً كانت تنوي أداء مناسك الحج فيه، الا أنها أنفقته في تعليم ابنها الدكتور محمد، يضيف : "استغنت أمي عن تحويشة الحج لصالح تعليمي، واليوم انا غير قادر على رد جميلها والايفاء بوعدي لها بذهابها للحج بعد حصولي على وظيفة".
ووجه الدكتور الشاب مناشدة عبر "رايــة"، للرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء رامي الحمد لله، من أجل الحصول على "لم شمل" والانتقال الى جوار والده في الضفة الغربية والعمل هناك، خاصة وأن فرص العمل أوسع وأشمل لاسيما لأمثاله.










