ماجدة دنديس .. "السائقة الأولى" لحافلة عامة بالقدس
القدس-راية:
فداء الرويضي
بالقدس المحتلة وتحديدا في شارع نابلس، حيث مقر شركة الحافلات التي تؤدي الى بيت حنينا وشعفاط ورام الله والرام وغيرها من القرى والمدن المجاورة، وفي إحدى حافلاتها التي تملأ المكان كما تملأ الطرقات، ولدت حكاية.. أما بطلتها فتدعى ماجدة دنديس انتسبت لطاقم السائقين لتصبح "السيدة الأولى" و الوحيدة بينهم.
اليوم الأول لسائقة الحافلة العامة
"يسعد هالصباح، يا هيك الصباح يا بلاش" جملة قالها رجل كبير في السن لماجدة، حين صعد للحافلة التي ستوصله الى حاجز قلنديا، ووجدها هي السائقة، "ابتسامة على شفاه الفتيات والشبان حين رأوا سائقة ستوصلهم بحافلتها، كلمات تشجيعة من البعض، وعلامات استفهام على وجوه البعض الأخر، كونهم غير معتادين على ذلك، لم أتوقع هذا التقبل وعدت بفرجة كبيرة" هكذا وصفت ماجدة يومها الأول في العمل كسائقة حافلة عامة.
كانت ماجدة قبل 17 عاما تعمل في مؤسسة بمدينة القدس كمرشدة اجتماعية، لكنها تركت العمل حين رزقت بابنها ديار، وبقيت في المنزل ست سنوات متواصلة، إلى ان قررت العودة الى العمل، لكنه لم يكن كأي عمل، كان مختلفا بالنسبة لها، ونادرا بالنسبة للآخرين، الذين لم يعتادوا بعد رؤية امرأة تقود حافلة عمومية " القيادة هوايتي، كنت أتمنى منذ سنوات أن أمتهن مهنة كهذه، لكن الإمكانيات لم تسمح، وقبل أسبوع حصلت على رخصة لقيادة حافلة". تقول ماجدة مبتسمة وكأنها تخفي فخرها بما فعلت.
دعم على أرض الواقع .. وانتقادات في العالم الافتراضي
لطالما تمنت ماجدة، وهي تستقل الحافلات العامة للتنقل، أن تقودها يوماً، ولم تتوقع أن تصبح هذه الأمنية حقيقة، إذ رسمت في مخيلتها صورة أكثر تعقيداً وسوداوية لردود فعل المجتمع المحافظ بطبعه؛ لا شيء من مخاوفها تحقق، واقتصرت الانتقادات، وهي قليلة، على العالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي من خلف شاشة.
حين طرحت ماجدة الفكرة على الأصدقاء والمقربين دعموها كثيرا، لكن الداعم الأكبر كان زوجها، تقول ماجدة:" كان زوجي يعتني بالأطفال (ديار ومحبوبة) حين بدأت بتلقى دورات القيادة، أغيب عن المنزل أربعة أيام أسبوعيا من الساعة السادسة مساءا حتى التاسعة، كنا نتقاسم الأعمال المنزلية، ويغرقني بتشجيعه ودعمه" .
"استقليت حافلتها .. ثم سرت مشيا لأصل منزلي"
إحدى التعليقات التي أثرت بماجدة على مواقع التواصل الإجتماعي كانت من فتاة قالت فيها:" الحافلة التي تؤدي الى منزلي يختلف خطها مع الحافلة التي تقودها ماجدة، لكنني ركبت حافلتها لأكون أحدى راكباتها، ثم سرت مشيا على الأقدام لأصل الى منزلي"، وفي كلمة وجهتها ماجدة للفتيات اللواتي يحلمن بمهنة باتت حكرا على الرجال:" اعملي بما تؤمنين به، وحتما ستجدي الداعمين لكِ".
السيدة تقود بأخلاق وحكمة
الكاتب جمال قواسمي زوج ماجدة والداعم الأول لها قال لراية:" أي مهنة كانت ستختارها ماجدة كنت سأشجعها عليها، لأن عليها ان تفعل ما تحب، نحن متفاهمين جدا في حياتنا، ومررنا بالكثير من الصعوبات واجتزناها سويا، سائق في مدرسة أطفالي قال لي ان تكون راكبا في حافلة تقودها فتاة، ذلك يعني أنك في مكان أكثر أمنا، لأن السيدات يقدن بأخلاق، وهن أقل عصبية وأكثر حكمة في القيادة، على عكس الإعتقاد السائد".
عن شركة باصات رام الله القدس
الكثير منا لا يعرف عن تأسيس وتاريخ الشركة الرئيسية في مدينة القدس والتي تضم جميع الحافلات بخطوطها المختلفة، والتي تأسست زمن الإنتداب البريطاني، وكان اسمها "الشركة الوطنية"، وكانت تعمل حينها بين المدن والبلدات والقرى الواقعة في اتجاهات مختلفة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا انطلاقا من مدينة القدس حيث تقع مكاتبها الرئيسية.
بعد حرب عام 1948 اصبح عمل الشركة مختصرا على الضفة الغربية في حضرة النظام والادارة الاردنية ما ادى الى توقف عمل بعض الخطوط مثل يافا وحيفا واللد والرملة والبلدات والقرى المحيطة بها، وفي حرب عام 1967 انقلبت الاوضاع، فتفككت الشركة التي كانت تجمع تحت مظلتها جميع الخطوط وانسحب منها العديد من المساهمين بحيث توزعت الامتيازات فيما بينهم واصبح لكل خط ادارة مستقلة من حيث العمل وراس المال.
وعندما اندلعت الانتفاضة الاولى عام 1987 توقفت عجلة المواصلات بالكامل بعد اشهر من بدايتها ورغم المحاولات التي بذلت لعودة الحركة واستمرارها غير ان الأمور خرجت عن السيطرة، جراء الاغلاقات المستمرة، وأثناء التوقف القصري لحركة المواصلات العامة كان الجدار العازل يشق طريقه بسرعة بين المدن الفلسطينية ويفصل المدينة المقدسة عن المدن والبلدات والقرى المجاورة بحيث اصبحت الامور اكثر تعقيدا في اعادة حركة المواصلات العامة الى سابق عهدها، كما أصبحت الكلفة في موضوع التنقل والترحال من والى القدس نسبة الى المواطن العادي وغيره مرتفعة وفوق طاقته بسبب الظروف الاقتصادية.
اندلعت الانتفاضة الثانية بعد ان كادت الامور ان تتحسن وتعود المياه الى مجاريها فاستمرت المعاناه والتعطيل وازدادت حدة التوتر ولم تتوفر ادوات العودة من جديد باي ثمن، بقيت امور المواصلات غير منتظمة حتى صيف عام 2004 عندها قرر عدد من اصحاب العمل ان يبدأوا بالاعتماد على ما بقي لديهم من امكانيات ضئيلة وحافلات اوشكت صلاحية عملها على الشارع بالانهاء,، بيد انهم استطاعوا ان يتقدموا خطوات ملموسة ومن ثم بداوا البناء والتاسيس من جديد.
مشروع خاص بالفتيات لقيادة الحافلات
واليوم تعمل اكثر من 120 حافلة على الخطوط المختلفة، من بينهم الحافلة التي تقودها ماجدة، يقول رائد الطويل من إدارة شركة باصات رام الله القدس:" قبل أكثر من خمس سنوات، بدأت سيدة بالعمل في الشركة، وبعد أن انتهى يومها الأول انسحبت من العمل، يبدو أنها خافت من ردود الأفعال او من مواجهة التحديات، واليوم هي تعمل كسائقة في حافلة "اسرائيلية".
يضيف رائد:" نحن بصدد أن نفتتح مشروع للفتيات اللواتي يردن تعلم قيادة الحافلات وأخذ الرخصة، أن ندعمهن وندفع عنهن كافة التكاليف المتعلقة بهذا الأمر، بشرط توقيع عقد مسبق بالعمل،فقيادة الحافلات العامة ليست حكرا على الرجال، مع العلم أن نسبة الركاب النساء أكثر من الرجال".

