"رايــة" تفتح ملف الإنتهاكات بحق مشافي ومسعفي القدس
القدس - رايـــة:
فداء الرويضي- سيارة اسعاف مسرعة حاملة شعار الهلال، ومجموعة من المسعفين يخاطرون بحياتهم لإنقاذ روح، مصاب يتألم بانتظارهم، وأخر حياته متوقفة على مجيئهم، فجأة تتوقف السيارة، بين المسعفين والمصاب خطوات، تمنعهم قوات الإحتلال من المرور، تعرقل عملهم، وأحيانا أخرى تعتدي عليهم، وحين يقف الجندي حاملا السلاح بوجه مسعف حاملا أدوات الإنقاذ فالنتيجة حتمية "علاج برائحة الدم".
حكايا مسعف
راجح حوارين هو أحد المسعفين في جمعية الهلال الأحمر بالقدس يروي لــ"رايـــة" قصصا حدثت معه في الميدان: "ذات مرة كنا في سيارة الإسعاف ننقل مريضا من غزة، وقفنا صدفة أمام مبنى حكومة الإحتلال في الشيخ جراح بالقدس، فجأة وبثواني معدودة أطلقت قوات الإحتلال النار على فتاة أمام أعيننا، بحجة أنها قامت بعملية طعن، نزلنا مسرعين من السيارة نحو الفتاة المصابة بعدة طلقات نارية، إلا أن شرطة الإحتلال هدتنا بشكل مباشر:"إذا اقتربتم أكثر ستلاقون المصير ذاته"، شعور قاسي اجتاحني، كمسعف فالمصابة أمامي، وأنا عاجز عن أداء أي شيء".
يروي حوارين قصصا أخرى: "في منطقة وادي الجوز منعتنا قوات الإحتلال من الوصول الى مصاب، وبقي ينزف حتى استشهد، وفي الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة القدس وتحديدا عندما هدم الإحتلال منزل الشهيد ابراهيم العكاري في مخيم شعفاط، احتجزت قوات الإحتلال سيارة الإسعاف عند المدخل الشرقي، وحاولوا اعتقال مصاب من داخلها".
يقول حوارين:"اتبعنا استراتيجية معينة وهي أن العمل الميداني مهم جدا، وذلك أننا نحاول قدر الإمكان أن لا ننقل المريض لأي مستشفى في بعض الحالات، لأن سيارة الإسعاف أصبحت هدفا مباشرا للإحتلال، كما حاولنا فتح مستشفيات ميدانية ومعالجة جميع المصابين في الميدان من خلال أطباء متخصصين في ذلك، كما حدث في مخيم شعفاط العام الماضي، أما في الحالات الحرجة فتبقى المغامرة سيدة الموقف.
معاهدات واتفاقيات دولية "معطلة"
المادة 14 والمادة 24 من اتفاقية جنيف الرابعة الموقعة عام 1949 تكفل احترام مبدأ حرية الحركة والتنقل لرجال المهمات الطبية، والعمل على توفير التسهيلات اللازمة من أجل قيام هؤلاء الأفراد بمهامهم، والتي تشمل القيام بعمليات إجلاء ونقل وإسعاف الجرحى والمرضى والنساء الحوامل أو النفاس والتطعيمات اللازمة للأطفال، وتنص المادة 21 من ذات الإتفاقية على أنه: "يجب احترام وحماية عمليات نقل الجرحى والمرضى المدنيين والعجزة والنساء النفاس التي تجري في البر بواسطة قوافل المركبات وقطارات المستشفى، وذلك على قدم المساواة مع المستشفيات".
كما أن القانون الدولي الإنساني يشدد على ضرورة احترام الحياد الطبي، وتمكين الفرق الطبية من العمل بأمان، كما ينص على منع مهاجمة المسعفين بما في ذلك الأماكن الطبية.
الإحتلال ينتهك كافة هذه القواعد والمعاهدات والإتفاقيات بشكل علني، يقول مدير مركز ميزان لحقوق الإنسان عمر خمايسي:" الإحتلال يتصرف وكأنه فوق القوانين، ويضربها بعرض الحائط، فهو يقتحم المستشفيات ويخطف المرضى، ويعتدي على الطواقم الطبية وحراس المستشفيات".
يتفق مدير مركز القدس للدراسات الإقتصادية والإجتماعية زياد الحموري مع خمايسي حيث قال:"حتى في حالات الحرب يعتبر المسعفين من المدنيين الذذين من المفترض أن يكونوا محميين وبعيدين عن أي توتر، لكننا نرى مع الإحتلال عكس ذلك تماما، فهو يفعل كل ما بوسعه ليعيق عمل المسعفين، وكل ذلك يكون مقصودا وبشكل علني، ففي الأونة الأخيرة ازدادت هذه الإنتهاكات وخاصة منع وصول الإسعاف الى المصابين بحجة أنهم قاموا بعمليات طعن أو دهس".
الإنتهاكات بالأرقام
رصد مركز معلومات وادي حلوة – سلوان في تقريره السنوي لعام 2015 انتهاكات عدة تعرضت لها المؤسسات الصحية في القدس:"اقتحمت قوات الاحتلال مستشفى المقاصد 6 مرات، خلال شهر (أيلول، تشرين أول، تشرين ثاني) تم خلالها اقتحام أقسامه وغرفه بحثا عن مصابين خلال مواجهات جرت في مدينة القدس، وفي تصعيد آخر اقتحمت القوات المستشفى للبحث في ملفات المرضى "المصابين" حيث كان بحوزة المخابرات أسماء معينة، وصادرت مخابرات الاحتلال جهاز حاسوب وكاميرات المراقبة من المستشفى.

وجاء في التقرير أن مستشفى المقاصد تعرض للاستهداف بالمياه العادمة والقنابل الصوتية والغازية والأعيرة المطاطية، وفي احدى المرات تم اقتحام ساحة المقاصد الخارجية وألقيت القنابل الصوتية بكثافة والأعيرة المطاطية باتجاه المتواجدين، كما استهدف بالقنابل الغازية التي وصلت الى قسم "الأطفال" وقسم "العناية المكثفة"، ما تسبب بحالات اختناق بالغاز لعدد من المرضى والمرافقين، كما أعادت إحدى السيدات في قسم الأطفال قنبلة غاز إلى الخارج ما تسبب بحروق في يدها.
ومقابل التصعيد هددت سلطات الاحتلال بفتح تحقيق ضد طاقم الأطباء في مستشفى المقاصد بالقدس، بحجة "تقديم العلاج لفتية اشتركوا بالمواجهات ولم يتم ابلاغ الشرطة بذلك".
ورصد المركز اقتحام قوات الاحتلال لمستشفى المطلع في قرية الطور، وحاولت اقتحام مستشفى الهلال الأحمر في حي الصوانة، كما اقتحمت مركز "بلدنا الطبي" في قرية العيسوية، للبحث عن ملفات المصابين، ومركز "حي عين اللوزة التخصصي" في سلوان في محاولة لاحتجاز جثمان الشهيد الفتى أيمن العباسي.
كما استهدفت قوات الاحتلال سيارة إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني، باعتقال مصابين من داخل السيارة تحت تهديد طاقمها بالاعتقال وإشهار السلاح، إضافة الى تفتيش طواقمها والقاء القنابل والأعيرة المطاطية عليها، ناهيك عن عرقلة وصولهم الى موقع الاصابات.
وقبل أربعة أيام اقتحمت قوات الإحتلال ساحة مستشفى المقاصد الخارجية واعتقلت أحد الحراس.
وفي تقرير للجزيرة جاء فيه:" على مدى سبع سنوات امتدت بين بداية الانتفاضة عام 2000 وحتى عام 2007 اضطرت 69 سيدة للولادة على الحواجز العسكرية الإسرائيلية نتيجة منع سيارات الإسعاف من الوصول إلى المستشفيات".
وفي تقرير أخر أصدرته جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني صرحت فيه عمّا وثقته من اعتداءات لجنود الاحتلال على طواقم الإسعاف التابعة لها، جاء فيه:" منذ بداية الأحداث وتنفيذ الشهيد مهند الحلبي لأول عملية طعن في القدس بتاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول، ارتكب جنود الاحتلال الإسرائيلي 88 اعتداءا على طواقم الإسعاف التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، منها 25 في القدس".
التوجه لمحكمة الجنايات الدولية
اعتداءات الإحتلال على العاملين في القطاع الطبي وانتهاك حرمة المشافي يحتم على المجتمع الدولي التدخل لحماية المؤسسات والطواقم الطبية ودفع الإحتلال لإحترام المواثيق والمعاهدات الدولية بتحييد المؤسسات الصحية، وهذا ما لا نجده كما قال مدير مركز القدس للدراسات الإجتماعية والإقتصادية زياد الحموري:"لا أدري مدى جدوى التوجه الى المحاكم والمؤسسات الدولية، فهناك الكثير من القرارات اتخذت لصالحنا كفلسطينيين لكن لم تنفذ ولم تحترم، بنهاية المطاف يجب أن نوثق وننشر هذه الإنتهاكات، فإذا كان اليوم ليس معنا فغدا هو لنا، وبدأنا نرى بعضا من التضامن الدولي معنا".
أما مدير مركز ميزان لحقوق الإنسان عمر خمايسي يقول:" التوجه للمحاكم الدولية ليس سهلا، لكن السلطة الفلسطينية كونها أخذت صفة الدولة المراقب فهي داما باستطاعتها أن تزود المدعي العام بالتقارير الموثقة حول انتهاكات الإحتلال على القطاع الصحي، وهذا يعزز الشكوى الأصلية التي يندرج أسفلها كل الجرائم التي يرتكبها الإحتلال".
وهناك رأي أخر بخصوص التوجه الى المجتمع الدولي، وهو:" التوجه للاتحاد العام للأطباء الدوليين ومنظمات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية، لاسيما أن فلسطين و"اسرائيل" عضو بهذه الاتحادات، ويمكن الإعتماد على ذلك من خلال الضغط على المجتمع الدولي لدفع اسرائيل بتطبيق ما وقعت عليه".

