الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:26 AM
الظهر 12:24 PM
العصر 3:35 PM
المغرب 6:05 PM
العشاء 7:20 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

تقرير: الزراعة المنزلية.. الأصيص في مواجهة التجويع

فاطمة زكي أبو حية

 

زهور الزينة في زاويا البيت وأوراق النعناع والريحان على نوافذه لا معنى لوداعتها اليوم، فببساطة؛ البيوت والنوافذ لم تعد موجودة، ومثلها كل مقومات الحياة، وعلى رأسها الطعام، إذ استخدم الاحتلال التجويع سلاحًا منذ بداية عدوانه على الغزيين، حتى مات الناس جوعًا حقًّا لا مجازًا.

من ضمن ما غيّبه التجويع عن الأسواق في قطاع غزة، أغلب أصناف الخضروات والفواكه، والكميات القليلة المتوفرة أسعارها عالية جدًا، لذا لجأ بعضٌ للزراعة في المنازل وعلى الأسطح وبين الخيام وفي أي مساحة متاحة لهم، كبيرة كانت أو صغيرة، حقلاً أو أصيصًا.

لم تعد 95 % من الأراضي الزراعية في قطاع غزة صالحة للزراعة بسبب الحرب، وفق ما كشفه تقييم جغرافي مكاني أجرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" ومركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، وبعد 700 يوم من الإبادة، زاد عدد ضحايا التجويع على 380 شهيدًا حسب المكتب الإعلامي الحكومي.

في المنزل أسهل وأفضل

في أشهر سابقة، حصد المختص البيئي نزار الوحيدي من وعاء بلاستيكي واحد مساحته نصف متر مربع تقريًبا 12 كيلو جرامًا من البطاطا، و18 كيلو جرامًا من الباذنجان، وأنتج إصيص الخيار حوالي 15.3 كيلو جرامًا، أما إصيص الفلفل أعطاه 5.

"هذه الكميات متميزة، ولو كان عدد النباتات كبيرًا نستطيع أن نضمن كفايتها للأسر قليلة العدد" كما يقول الوحيدي في حديثه لمراسلة "آفاق البيئة والتنمية" عن تجربته مع الزراعة المنزلية إبان الحرب.

ويضيف: "بدأت تجربتي مع الزراعة الحضرية منذ الصبا، حيث كان في أغلب بيوت غزة مساحة لزراعة الأشجار، سواء المثمرة أم أشجار الزينة والزهور، ومن هنا اكتسبت معرفة بشأنها، ثم نما عندي حب هذا النمط من الزراعة الذي يشعرنا بجمال النباتات وأهميتها، وهل هناك أجمل من أن ترى نتاج الزراعة في بيتك!".

ويتابع: "أما في الحرب، فقد رفع الحصار أسعار المنتجات الزراعية عدة أضعاف رفعًا غير منطقي ولا مقبول، وهذا ما أعادني إلى فكرة الزراعة الحضرية أو الزراعة في البيت وعلى السطح، وحتى في المساحات ما بين خيام النازحين في محاولة لإيجاد البديل".

بدأ الوحيدي بمجهود توعوي فردي عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، إلى أن نظّم جهده ضمن مبادرة "غذاؤنا من أيدينا".

ويوضح أن الزراعة في المنزل لا تختلف عنها في الحقل سوى في المساحة، لأن ما يحتاجه النبات هو فقط الطبقة السطحية لعمق لا يزيد كثيرُا على 30 سنتيمترًا، وبالتالي يمكن للنبات أن يحصل على احتياجاته الغذائية من الحيّز المتوفر إذا كان يحتوي على العناصر الضرورية، وإذا كانت التربة رملية فقيرة يمكن تعويضها بالتسميد العضوي والبيوكيميائي.

ويؤكد أن الزراعة المنزلية أيسر من زراعة الحقل، كون الممارس لها يكون مع نباتاته وحيواناته باستمرار، أي أنها تحت رعاية مباشرة ودائمة ليلاً ونهارًا، وهذا سر نجاحها، أما الفشل فغالبًا لا يكون إلا بخطأ مباشر من المزارع.

وبناءً على خبرته: "إنتاج الزراعة المنزلية لا يقل عن إنتاج المزرعة في حال تساوت الخبرة بين المزارع والمتبع للزراعة المنزلية، بل قد تكون الإنتاجية أعلى في المنزل بسبب العناية الفائقة والمتابعة المكثفة للمحصول".

ويركز الوحيدي على زراعة "الأصناف البلدية"، وينصح الناس بذلك، لإمكانية استخراج البذور من الثمار، بخلاف الأصناف الهجينة التي لا يمكن استخراج بذورها وإعادة زراعتها، مؤكدًا إمكانية زراعة كل المحاصيل دون عوائق في حال توفرت مساحة مناسبة.

ولاحظ المختص البيئي توجه الناس إلى حد كبير نحو زراعة المحاصيل الورقية لسهولة زراعتها وسرعة الحصول على منتجاتها، وأهميتها لربة المنزل، وفي المرتبة الثانية تأتي المحاصيل التي تنتج ثماراً كالبندورة والباذنجان والفلفل والقرعيات كلها.

وعن تأثير التلوث الناجم عن الحرب على بعض التجارب، أفاد أن الأراضي التي كانت عرضة للقصف وأصابتها مخلفات الأسلحة كثيرًا، كانت نتائج الزراعة فيها سيئة، وفشل إنبات كثير من المحاصيل فيها.

ويضيف: "من العقبات التي تواجهنا أيضا تعذُّر استخدام جميع المبيدات، حتى الآمنة منها، إلا بعد دراسة المكان والتأكد من عدم تأثر الأسرة بها".

مواصلاً حديثه: "ربما هذا ما يدفعنا إلى الزراعة العضوية والزراعة الآمنة، وميزتها أننا لا نحتاج إلى تعقيم التربة بالغازات الضارة أو المبيدات الخطِرة، وهي الأكثر كمية والأعلى سعراً".

ويشدد الوحيدي على أن "الحرب التي دمرت كل قطاعنا الزراعي بنسبة تفوق 90% لا بد أن تقودنا إلى العمل وبكل إمكانياتنا لمحاربة الغلاء والوقوف في وجه المستغلين وتحدي الحصار".

فكرة مستدامة

وعن المبادرة التي تطرّق لها الوحيدي "غذاؤنا من أيدينا"، والتي تشمل التغذية بشقّيها النباتي والحيواني، تحدثنا مع منسقها د. عبد الرؤوف المناعمة أستاذ الأحياء الدقيقة في الجامعة الإسلامية.

ويقول في هذا الصدد: "مبادرتنا ما هي إلا استجابة عملية وإنسانية لأزمة غذائية غير مسبوقة يعيشها سكان قطاع غزة جراء الحرب وتدهور الأوضاع المعيشية والصحية، فالمعطيات الميدانية الصادرة عن جهات موثوقة محلية ودولية تؤكد أن القطاع يمر بمرحلة كارثية تهدد حياة مئات الآلاف، وبخاصة الفئات الهشّة كالأطفال والنساء وكبار السن".

ويضيف د. المناعمة: "في ضوء هذه الكارثة الإنسانية، تأتي المبادرة لتوفّر حلولًا مجتمعية بسيطة وعملية قائمة على التمكين الذاتي والإنتاج المحلي، وتعزز السيادة الغذائية والصمود المجتمعي في القطاع، وذلك بدعم الإنتاج الغذائي المحلي والمستدام على مستوى الأسرة والمجتمع".

ويسرد في السياق الأهداف التفصيلية للمبادرة قائلاً: "تمكين الأُسر من إنتاج غذائها الذاتي، وتحسين الوضع الغذائي للفئات الضعيفة، ودعم مصادر دخل بديلة، وتعزيز مفهوم الاكتفاء الذاتي والسيادة الغذائية، وتكثيف التضامن والتعاون المجتمعي، والحد من آثار الأزمات الغذائية والصحية الطارئة".

وفي سؤاله عن الدوافع التي ساهمت في التوصل لفكرة المبادرة والمسارعة لتنفيذها، قال: "تدهور الأمن الغذائي بعد العدوان، وارتفاع معدلات سوء التغذية خصوصًا عند الأطفال والنساء، والحاجة لحلول مجتمعية ذاتية بدلًا من الاعتماد على المساعدات، إضافة إلى فقدان الأُسر لمصادر دخلها وصعوبة الحصول على الغذاء".

بدأ تنفيذ المبادرة في أيار/ مايو 2025، وهي مستمرة دون أجل محدد، لأن فكرتها ليست مرحلية، بل مُستدامة، تهدف لإحداث تغيير سلوكي وثقافي طويل الأمد في التعامل مع الغذاء والإنتاج المنزلي، حسب حديث المناعمة.

ويوضح أن الفكرة نمت نموًا جماعيًا، وبدافع ذاتي من أبناء المجتمع، دون تمويل حتى اللحظة، ويقودها مجموعة من النشطاء والمتطوعين والمختصين في الزراعة المجتمعية من مهندسين زراعيين وأطباء بيطريين، وآخرون راغبون في خدمة شعبهم، وبالتعاون مع مؤسسات محلية ومبادرات شعبية مستقلة، بعيدًا عن الطابع الرسمي.

 

 

عوامل نجاح المبادرة

يسعى القائمون على المبادرة لنشر فكرتها بطرق عدة، منها فتح باب التطوع، حيث انضم لهم أكثر من 200 متطوع في غضون يومين، ونشر ثقافة الزراعة المنزلية عبر المراكز المجتمعية ومواقع التواصل الاجتماعي، وتشجيع التشارك المجتمعي وذلك بتبادل المنتجات، والأهم أن يتبنى الناس الفكرة وينقلوها لغيرهم.

ولا تستثني المبادرة أحدًا، تستهدف الجميع، مع التركيز على النازحين والنساء والأطفال وكبار السن والفئات التي فقدت مصادر دخلها أو تقيم في منازل مدمرة أو مراكز إيواء، إضافة إلى إشراك المدارس والمراكز المجتمعية والأفراد المحبين للزراعة أو تربية الدواجن.

ويشير منسق المبادرة إلى أن محبيّ الزراعة وتربية الدواجن والفئات المهمشة هم الأكثر إقبالًا على المشاركة والاستفادة.

ويشتري القائمون على المبادرة البذور من الأسواق ويقسموها في أكياس صغيرة بكميات بسيطة تناسب الزراعة المنزلية، بواقع أربعة أو خمسة أصناف لكل مستفيد، تبعًا لحديثه، لافتًا إلى أن أكثر ما يُوزّع هي بذور الخضراوات الورقية مثل الجرجير والسلق والسبانخ وغيرها، كونها سريعة النمو.

في شهورها الخمسة، وصلت المبادرة إلى 400 شخص شاركوا في الأنشطة الميدانية في محافظات غزة وخان يونس والوسطى، ووصلت النشرات ومقاطع الفيديو التوعوية عبر "فيس بوك" و"تليجرام" لأكثر من ألفي عضو، أما طرود البذور فقد حصل عليها 282 مستفيدًا، فضلاً عن توفير عشر "فقاسات يدوية" لتوزيعها في الوسطى.

ولا تتوقف جهود المبادرة عند توصيل المعلومات والمستلزمات للناس، وإنما يتابع المتطوعون العمل عن قرب، عبر زيارات ينظمونها لمستلمي البذور للإشراف على إنباتها، وتقديم النصائح اللازمة لهم لنجاح الزراعة، وفق كلام المناعمة.

"مع الحرب والحصار وانعدام الموارد.. كيف يتسنى لفكرة الزراعة المنزلية أن تنجح؟"، يخبرنا المناعمة أن بساطة الفكرة وإمكانية تنفيذها من أبرز عوامل نجاحها، وكذلك الحاجة الماسة للأمن الغذائي، ما يدفع الناس لتجربة أي حل، والمشاركة وتبادل المعرفة فيما بينهم، والتطوع الجماعي، والاستعانة بخبراء يوجهون المستفيدين.

في المقابل، يذكر العوائق، ومنها ندرة الموارد مثل التربة الزراعية والسماد والبذور وأدوات الزراعة، وصعوبة التنقل بسبب القصف المستمر والانقسام الجغرافي للقطاع، وغياب الدعم المادي أو التمويل المنتظم، كما أن المياه الصالحة للري في بعض المناطق ليست كافية، وقلة المعرفة المسبقة لدى بعض العائلات بطرق الزراعة المنزلية".

ويختم حديثه: "رغم ما سبق، الإرادة الجماعية والتعاون الشعبي يلعبان دورًا مهمًا في تخطي هذه العقبات".

Loading...