القلم تغلّب على القضبان… ثلاثة كتاب فلسطينيين نالو الحرية بعد عقود من الأسر

تامر الدويك - راية - رام الله:
حين يُقيَّد الجسد، لا تنطفئ الروح. وحين تُغلق الأبواب الحديدية، تفتح الكلمة نوافذها على العالم. في الصفقة الأخيرة التي أُفرج فيها عن مجموعة من الأسرى الفلسطينيين، بزغت ثلاثة أسماء ليست فقط رموزًا للنضال، بل أعمدة للفكر والأدب خلف القضبان: كميل أبو حنيش، باسم خندقجي، وناصر أبو سرور. ثلاثتهم تحرروا من سجون الاحتلال، لكنهم في الحقيقة كانوا أحرارًا طوال الوقت، لأنهم امتلكوا سلاحًا لا يُقهر وهو القلم.
كميل أبو حنيش، الأسير الذي قضى أكثر من عشرين عامًا في الأسر، لم يسمح للسجن بأن يصادر وعيه، بل حوّله إلى ورشة فكر ومقاومة أدبية. كتب روايات تحلل الواقع الفلسطيني، وتفتح الباب على أسئلة الهوية والحرية، من بينها "الهروب إلى الداخل" و"وجع بلا قرار" التي كتبها بالشراكة مع ناصر أبو سرور. كميل، المنتمي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لم يكتب من موقع الضحية، بل من موقع الفاعل، الرافض، الحالم، والمشتبك.
أما باسم خندقجي، ابن مدينة نابلس، فقد اعتُقل شابًا في مقتبل العمر عام 2004، لكنه لم يدع السجن يكسر قلبه أو صوته. باسم كتب الشعر والرواية، ومن خلف القضبان أصبح أول أسير فلسطيني يفوز بـ الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في عام 2024 عن روايته الاستثنائية "قناع بلون السماء"، التي قدم فيها سردًا معقّدًا وعميقًا عن الهوية الفلسطينية من خلال بطل يتقمص هوية "إسرائيلية" ليتنقل بحرية داخل أراضيه المحتلة. الرواية كانت بمثابة صفعة أدبية للمحتل، ورسالة واضحة بأن الفلسطيني لا يحتاج بندقية فقط ليقاوم، بل وعيًا يحفر كلماته في جدران الزنازين ويصل إلى اللجان الأدبية العالمية.
ناصر أبو سرور، أقدم الثلاثة، أمضى أكثر من ثلاثين عامًا في السجن، لكنه ظلّ يكتب، ويوثّق، ويعلّم. روايته "حكاية سرّ الزيت" كانت من أبرز أعماله، إلى جانب مشاركته في "وجع بلا قرار". ناصر لم يقدّم مجرد أدب سردي، بل حمل قضيته في كلماته، وكان شاهدًا على مرحلة طويلة من النضال الفلسطيني من داخل الزنزانة. لم يكن يكتب ليهرب من واقعه، بل ليوجهه، وليحفر للتاريخ سرديته الحقيقية في مواجهة الرواية الصهيونية المزيفة.
تحرر هؤلاء الكتّاب أخيرًا، لكنهم لم يخرجوا من السجن فقط، بل خرجوا من حقبة، من معركة طويلة مع القيد والوقت والعزلة، وقد انتصروا. ما كتبه كميل وباسم وناصر سيظل شاهدًا لا فقط على ظلم الاحتلال، بل على قدرة الفلسطيني على تحويل أعتى أشكال القمع إلى طاقة إبداع لا تنضب. الحرية بالنسبة لهؤلاء لم تكن حدثًا، بل كانت خيارًا، وكان القلم عندهم فعل مقاومة لا يقل أهمية عن البندقية. لقد تغلب القلم على القضبان، وانتصر الأدب، لأن السجن لا يستطيع احتجاز الأفكار، ولا منع الحبر من التدفق.