تجاوز حاجز 4000 دولار
خاص | الارتفاع التاريخي على أسعار الذهب وتداعياته العالمية
في حوار مطوّل ضمن برنامج "نبض الاقتصاد" عبر شبكة رايـــة الإعلامية، ناقش الإعلامي محمد خبيصة مع مجدي النوري، محلل أسواق المال في شركة CFI، الارتفاع التاريخي الجديد لأسعار الذهب وتداعياته على الأسواق العالمية، إلى جانب الاضطرابات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالولايات المتحدة والصين والعالم ككل.
افتتح النوري حديثه بالإشارة إلى أن الذهب قفز فوق حاجز 4000 دولار للأونصة الأسبوع الماضي، مغلقًا جلسة الجمعة عند 4018 دولارًا للعقود الفورية، ليواصل بذلك تصدره للمشهد المالي العالمي، مؤكّدًا أن ما يجري اليوم يعيد للأذهان أحداث عام 1979 حين واجه الاقتصاد الأمريكي أزمة تضخم خانقة قادت إلى موجة شراء عالمية للذهب.
الذهب.. مرآة الخوف الاقتصادي
وأوضح النوري أن العوامل السياسية — مثل الحرب في غزة أو التوترات في الشرق الأوسط — لم تعد المحرك الرئيسي لأسعار الذهب، بل أصبحت العوامل الاقتصادية هي المؤثر الأكبر، مشيرًا إلى أن الذهب أصبح مقياسًا مباشرًا لمدى المخاطر الاقتصادية العالمية.
وأضاف: "كلما ارتفعت المخاوف حول اقتصاد كبير مثل الاقتصاد الأمريكي، نتيجة الإغلاق الحكومي أو اضطراب البيانات الاقتصادية، يرتفع الذهب أكثر باعتباره الملاذ الآمن للمستثمرين."
وبيّن أن الإغلاق الحكومي الأمريكي عطّل نحو 40% من عمل الوكالات الفيدرالية، مثل مكاتب الإحصاء والعمل والرقابة الجوية، ما فاقم المخاوف وأضعف الثقة بالاقتصاد الأمريكي، وهو ما انعكس مباشرة على أسعار الذهب.
ترامب والصين: صراع المعادن النادرة
وأشار النوري إلى أن ما زاد من توتر الأسواق هو إعلان الصين فرض قيود على تصدير المعادن النادرة التي تدخل في الصناعات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الرد بإعلان رفع الرسوم الجمركية مجددًا على الواردات الصينية، لتعود الأسواق إلى أجواء الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.
وأضاف: "ما يحدث اليوم يذكّر الأسواق بما جرى في أبريل الماضي حين فاجأت قرارات ترامب الأسواق، فانهارت الأسهم وارتفع الذهب بسرعة."
فقاعة محتملة وقلق متزايد
وحول الحديث المتزايد عن انفجار "فقاعة الأسواق"، قال النوري إن مؤشرات مثل ستاندرد آند بورز شهدت هبوطًا حادًا هو الأكبر منذ ستة أشهر، مرجّحًا أن الأسواق تمرّ الآن بمرحلة اضطراب طبيعية في منتصف دورة صعودها.
وأوضح أن شركات التكنولوجيا العملاقة مثل "إنفيديا" و"أوبن إيه آي" و"أبل" تقود الصعود الحالي، لكن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات فيها يعتمد على قروض متبادلة بين الشركات فيما سماه "السيركولر فنانسينغ" أو "تلبيس الطواقي"، ما يعني أن القيمة الحقيقية لتريليون دولار من الاستثمارات قد لا تتعدى 200 مليار فعليًا، مما يجعل الأسواق عرضة لهزات خطيرة.
الذكاء الاصطناعي... صناعة المستقبل
وأكد النوري أن صناعة الذكاء الاصطناعي لم تبدأ فعليًا بعد، لكنها مرشحة لأن تصبح القطاع الاقتصادي الأكبر عالميًا خلال العقد القادم.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الأدوات التفاعلية مثل ChatGPT أو Gemini، بل يمتد إلى توليد الأكواد والتحول الصناعي الكامل في مجالات الاقتصاد والطاقة والتعليم والطب.
مقارنة تاريخية: أزمة 1979 تتكرر
ولفت النوري إلى أن الوضع الحالي يذكّر بأزمة عام 1979 عندما ارتفعت معدلات التضخم في الولايات المتحدة فوق 7%، ما دفع الفيدرالي لرفع الفائدة بشكل مفاجئ قبل أن يتراجع عنها بسرعة، مما تسبب بارتفاع التضخم إلى أكثر من 15%.
وأضاف أن تلك الفترة شهدت قفزة في سعر الذهب من 100 دولار إلى نحو 700 دولار للأونصة خلال عام واحد، قبل أن يعود وينخفض إلى متوسط 300 دولار لاحقًا، فيما عُرفت تلك الموجة باسم "حمّى الذهب"، مؤكدًا أن أي صعود جديد إلى مستويات 6000 أو 7000 دولار سيكون ناتجًا عن أزمة مالية أو سياسية أو حرب كبرى.
نصائح للمستثمرين: لا تندفعوا مع القطيع
وفيما يتعلق بطرق الاستثمار، حذّر النوري من الشراء العشوائي للذهب في السوق الفلسطيني المحلي بسبب الفارق الكبير بين السعر العالمي وسعر المحلات الذي قد يزيد بـ250 دولارًا للأونصة، مما يجعل الربح شبه مستحيل إلا عند ارتفاع الأسعار بشكل هائل.
وأشار إلى أن الاستثمار في عقود الذهب أو في الأسهم الفلسطينية قد يكون خيارًا أفضل وأكثر استدامة، شرط إدارة المخاطر بعقلانية وعدم الاقتراض للاستثمار.
وختم النوري حديثه بالتأكيد على أن الأسواق الفلسطينية تملك فرصًا استثمارية واعدة خاصة مع اقتراب مرحلة إعمار غزة، داعيًا المستثمرين المحليين إلى تنويع محافظهم والبحث في قطاعات الفضة والأسهم المحلية إلى جانب الذهب.
وقال مازحًا: "أنا أحب الفضة، ولدي منها ما يكفي لأن أراك من خلالها."
وفي ختام اللقاء، شكر مقدم البرنامج محمد خبيصة ضيفه مجدي النوري على تحليله المفصل، مؤكّدًا أن متابعة تطورات الذهب والاقتصاد العالمي باتت ضرورية لفهم التحولات الاقتصادية القادمة في المنطقة والعالم.