يا للعار: السلطات تقمع مساندة الأشقاء المصريين لفلسطين بينما تتواطأ في الإبادة الإسرائيلية!
تدين الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI)، عضو اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل، أوسع تحالف في المجتمع الفلسطيني وقيادة حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، ما يتعرض له الطلبة المصريون الذين يعبّرون عن وقوفهم إلى جانب أشقائهم وزملائهم في فلسطين، في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية التي يقترفها العدو الإسرائيلي ضدّ 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة المجاور، والمُحتلّ والمحاصَر، والتي ارتقى على إثرها أكثر من 55,000 شهيدٍ وأصيب أكثر من 106,000.
إن سياسة القمع والترهيب والاعتقال التعسّفي التي تستخدمها السلطات المصرية لن تفلح في إسكات أصوات الغالبية الساحقة من شعب مصر الشقيق الرافضة للإبادة والمدافعة عن الحق الفلسطيني وعن الأمن القومي المصري المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتصدي للعدو الإسرائيلي ومحاولاته الحثيثة لتهجير مئات الآلاشف من شعبنا إلى سيناء.
تدين الحملة منع الجامعات المصرية طلّابها من ارتداء الكوفية الفلسطينية ومصادرة حقهم بالتعبير أو تنظيم الفعاليات والمظاهرات الإسنادية للشعب الفلسطيني الذي يواجه الإبادة الجماعية الإسرائيلية. إن السلطات المصرية بهبوطها إلى هذا المستوى من القمع الذي يشكّل سابقة خطيرة وغريبة على الشعب المصري الشقيق، تتماهى مع أكثر الممارسات الاستبدادية سوءاً وعنصرية وقمعاً في الغرب الاستعماري. وتأتي هذه الممارسات القمعية في وقت تيسّر فيه السلطات المصرية استخدام الموانئ المصرية في نقل العتاد العسكري وغيره للعدوّ الإسرائيلي، مخالفة بذلك التزاماتها بموجب القانون الدولي، وبالذات اتفاقية منع ومعاقبة الإبادة الجماعية، وبعد أشهر من إغلاق معبر رفح ومن تمكين عصابات مقربة من السلطات المصرية من ابتزاز أبناء شعبنا في غزة المضطرين للجوء إلى مصر الشقيقة وتدفيعِهم مبالغ طائلة مقابل دخول كل فرد. ألا يكفي كل هذا التواطؤ لتضيف عليه السلطات منع الكوفية الفلسطينية؟
فعلى خلفية منع الصحفي المصري والباحث، إسماعيل الإسكندري، طالب الدراسات العليا في جامعة القاهرة، من دخوله الجامعة بالكوفية الفلسطينية، على سبيل المثال، توجّهت مجموعة "طلاب مصر لأجل فلسطين" بسؤال الطلبة حول تعرّضهم لِمواقف شبيهة، لتنهال شهادات الطلبة من الجامعات المصريّة المختلفة حول منع أمن الجامعة الطلبة من ارتداء كلّ ما هو متعلّق بفلسطين مثل الكوفية الفلسطينية والرسومات.
بينما يتصاعد قمع السلطات السياسية وتنتشر أفعال الكراهية والعنصرية المنظّمة ضد الفلسطينيين/ات والمتضامنين/ات المؤيّدين/ات للحق الفلسطيني حول العالم منذ حرب الإبادة الجماعية، خاصةً في الغرب الاستعماري، لا يمكن أن تُقرأ مساعي حظر ارتداء الكوفية الفلسطينية وفرض العقوبات على مُرتدينها إلا باعتبارهما امتداداً للحرب على الشعب العربي-الفلسطيني وهويته وموروثه الثقافي ومحاولات طمسِه.
لمصلحة من يُمنع الطلبة المصريون من إظهار دعمهم المعنوي لفلسطين، بينما تمتلئ جامعات العالم بالأعلام الفلسطينية والشعارات المؤيدة لها؟ ففي الوقت الذي تبرز فيه نماذج مبدئية مثل الكاتبة الحائزة على جائزة بوليتزر "جومبا لاهيري"، التي رفضت قبول جائزة إيسامو نوجوتشي للعام 2024 من متحف نوجوتشي في مدينة نيويورك احتجاجاً على طرده لثلاثة موظفين بسبب ارتِدائهم الكوفية الفلسطينية، هل يعقل أن يُمنع الطلبة المصريون من ارتدائها، وهم الذين لطالما شكّلوا طليعة قوى التغيير وكانت فلسطين ونضال شعبها الحرّ إحدى ركائز نضال شعوبنا؟ أيعقل أن يكون موقف الأدباء والمثقفين والناشطين الأجانب أكثر مبدئيّةً من وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات في مصر؟
وإذ تحيّي الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل جميع الطلبة الذين يواصلون العمل من أجل فلسطين ونضال شعبها، فإنها تدعو المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني في مصر لمتابعة ورصد وتوثيق ما يتعرّض له الطلبة في جامعاتهم من قمعٍ للحق في التعبير عن الرأي والوقوف إلى جانب فلسطين وتكميم للأفواه، والضغط على الجهات المعنية، وزارة التعليم العالي المصرية والمجلس الأعلى للجامعات في مصر، لإصدار موقف واضح وفوري. كما تدعو أعضاء هيئات التدريس والأساتذة لدعم الطلبة والانضمام في الضغط. كما تجدّد الحملة نداءها إلى جميع المثقفين والكتّاب والأدباء لتصعيد حملات مناهضة التطبيع ودعم المقاطعة الأكاديمية، والمشاركة الفاعلة في دعم نضالات الطلبة داخل مؤسساتهم الأكاديمية، بما يشمل استهداف الشركات المتواطئة في دعم نظام الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي.
منذ حرب الإبادة، أصبحت السياسة الممنهجة في قمع الأصوات الغاضبة من أجل فلسطين أكثر وضوحاً مما مضى، فقد وثّقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، 150 حالة اعتقال تعسُّفي على خلفية إبداء التأييد للشعب الفلسطيني، حتى أكتوبر/ تشرين أول 2024. ومن ضمن هؤلاء، الشباب الستّة المعتقلين في القضيّة المعروفة إعلامياً بـ"بانر فلسطين" بعد رفعهم لافتة مكتوب عليها "فكوا حصار فلسطين وأَفرجوا عن المعتقلين وافتَحوا معبر رفح".
تجدّد الحملة دعوتها لتصعيد الضغط الشعبي على السلطات المصرية حتى تفرج عن كافة المعتقلين على خلفية دعم الشعب الفلسطيني ومعتقلي الرأي، وتوقف سياسة حظر ومصادرة حقوق الطلبة في التعبير عن رأيهم في جامعاتهم، أو ارتداء الكوفية الفلسطينية.
إن النظام الاستعماري الإسرائيلي هو عدوّ الشعب المصري وكل شعوب المنطقة العربية، لا الشعب الفلسطيني وحده. ولطالما كانت له أطماع خارج الجغرافيا الفلسطينية، فهو يسعى للسيطرة على مُقدّرات الشعوب العربية عامة، وخصوصاً الشعب المصري الشقيق. فلم يعد خافياً على أحد رغبة العدوّ الإسرائيلي في السيطرة على مياه النيل من خلال دوره في بناء سد النهضة وما يلحقه من أضرار ومخاسر على مستوى الأمن المائي والقرار الجيوسياسي المصري. وكذلك، فإن اعتماد مصر على الغاز المستورد من العدوّ للإِسالة والتصدير للخارج يربط ملف أمن الطاقة المصري بين أيادي النظام الإبادي المجرم الذي لن يتوانى لحظةً واحدة عن قطع إمدادات الطاقة عن المصريين، وهذا ما حدث تماماً إبّان حرب الإبادة الجماعية، مما أدّى إلى انقطاع الكهرباء عن الشعب المصري لفترات تصل إلى 4 ساعات. أما الأطماع الإسرائيلية المستمرة في شق "قناة بن غوريون" ستُساهم في خنق قناة السويس المصريّة وخفض إيراداتها إلى ما دون النصف والسيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالمياً.
لم يكن التزام الحركات الطلابية العربية بقضية فلسطين يوماً نابعاً فقط من أحقية هذه القضية، بل من وعيها أيضاً بأنّ خطر المشروع الصهيوني في منطقتنا العربية لا يقتصر على فلسطين والفلسطينيين فحسب، بل يمتدّ إلى مقدّرات ومصالح أقطار المنطقة العربية أيضاً.