مؤرخ أميركي: الإسرائيليون لا يفهمون الصراع ويعيشون وعيا زائفا
نشرت صحيفة هآرتس العبرية حوارا مع المؤرخ الأميركي الجنسية فلسطيني الأصل رشيد الخالدي، تناول عددا من القضايا تمثل تحولا في طبيعة الصراع ومآلاته المحتملة.
وبدا الخالدي -الذي تقاعد من العمل أستاذا بجامعة كولومبيا الأميركية الشهر الماضي بعد 22 عاما- على قناعة بأن الإسرائيليين لا يفهمون هذا الصراع، لأنهم ببساطة يعيشون في ما يسميها "فقاعة الوعي الزائف".
ويُوصف الخالدي بحسب هآرتس بأنه أهم مفكر فلسطيني في جيله وأبرز مؤرخ على قيد الحياة لفلسطين، وأنه خليفة المفكر والناقد الأدبي الفلسطيني الأميركي الراحل إدوارد سعيد.
وفي كتابه "حرب المئة عام على فلسطين.. قصة الاستعمار الاستيطاني والمقاومة" الذي نُشر في عام 2020 وصدر بنسخته العربية عن الدار العربية للعلوم ناشرون في 2021، ركز الخالدي على بعض الأحداث التي رأى أنها تمثل تحولا في الصراع على فلسطين.
وأشارت صحيفة هآرتس إلى أن الكتاب قفز بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى قائمة صحيفة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعا، وظل مدرجا فيها على مدى 39 أسبوعا متتاليا تقريبا.
ويجادل الخالدي (67 عاما) بأن الحرب التي يشنها جيش الاحتلال في قطاع غزة ليست هي "11 سبتمبر/أيلول الإسرائيلية" -في تشبيه لهجمات تنظيم القاعدة على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001- كما أنها ليست نكبة جديدة.
ويضيف أن الطريقة الوحيدة لفهم الحرب المستعرة في قطاع غزة هي في سياق الصراع المستمر في فلسطين منذ قرن من الزمان.
بايدن مع بعض أفراد عائلته وهو يحمل نسخة من كتاب الخالدي "حرب المئة عام على فلسطين.. قصة الاستعمار الاستيطاني والمقاومة" (الفرنسية)
وفي الفترة من 1991 إلى 1993، كان الخالدي مستشارا للوفد الفلسطيني في محادثات السلام في مدريد وواشنطن. ووفقا للحوار، فإنه أسهب في انتقاد الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في المفاوضات في كتاب سابق له بعنوان "وسطاء الخداع" في عام 2013، التي يرى أنها لم تؤدِّ إلا إلى جعل إمكانية تحقيق السلام أبعد مما هو متصور.
وهاجم الخالدي الولايات المتحدة قائلا إن الأميركيين "كانوا (خلال المفاوضات) إسرائيليين أكثر من الإسرائيليين أنفسهم. فإذا تحدث الإسرائيليون عن الأمن، ينحني الأميركيون ويضربون رؤوسهم بالأرض".
الخالدي: الأميركيون كانوا خلال مفاوضات مدريد وواشنطن إسرائيليين أكثر من الإسرائيليين أنفسهم. فإذا تحدث الإسرائيليون عن الأمن، ينحني الأميركيون ويضربون رؤوسهم بالأرض".
لكنه خص الرئيس الأميركي جو بايدن بأعنف هجوم، إذ وصفه بأنه رأس حربة الدعاية الإسرائيلية (الهسبارا)، وأن موقفه كان الأكثر تطرفا حيث "يتكلم كما لو كان هو المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغري".
ورغم أن تلك الانتقادات للولايات المتحدة ودولة الاحتلال قد تبدو مزعجة للأذن الإسرائيلية -حسب تعبير ماشياخ- فإن الخالدي أثار حنق الجيل الأصغر سنا "والأكثر تشددا" من النشطاء المؤيدين للفلسطينيين في أميركا الشمالية بردوده الدقيقة على الأحداث منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ولكنه يؤكد أن هذا الأمر لا يهمه.
ومع أنه وصف هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل العام الماضي بأنه كان جريمة حرب، فهو يشعر اليوم بالغضب قائلا إنه تأثر بما حدث على كل المستويات.
وخلال الحوار الذي أُجري معه عبر الإنترنت في أواخر أكتوبر/تشرين الأول ومنتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال المحاور إن موافقة الخالدي على الحديث معه كانت من منطلق اهتمامه بإبقاء قناة التواصل مع الإسرائيليين مفتوحة وواضحة، معتبرا ذلك عنصرا أساسيا في الطريق إلى النصر.
ومن وجهة نظر الخالدي، فإن الإسرائيليين يعيشون في "فقاعة صغيرة من الوعي الزائف" الذي يصنعه لهم إعلامهم وسياسيوهم، ويقللون من درجة معرفة بقية العالم بما يجري في الواقع.
وعن طوفان الأقصى، قال الخالدي إنه لم يكن يظن أن حركة حماس يمكن أن تشن مثل هذا الهجوم الضخم. وعزا الهجوم إلى الضغط المتواصل الذي يئن من وطأته الفلسطينيون طوال عقود من الزمن، وشبَّه ذلك بطنجرة الضغط، مضيفا أن الانفجار كان سيحدث إن عاجلا أو آجلا.
وذكر الخالدي أن من الواضح تماما أنه -وعلى امتداد الطيف السياسي الإسرائيلي بأكمله من أقصاه إلى أقصاه- لم يكن هناك قبول لفكرة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة ومستقلة تماما تمثل حق تقرير المصير.
الخالدي: لا يمكن لدولة ذات سيادة أن يكون سجل سكانها ومجالها الجوي ومواردها المائية تحت سيطرة قوة أجنبية، فهذه ليست سيادة.
وفي سؤاله بشأن المفاوضات، التي عُقدت في مدينة طابا المصرية عام 2001 ومدينة أنابوليس بولاية ماريلاند الأميركية عام 2007 والتي تطرقت إلى موضوع السيادة، قال المؤرخ الفلسطيني إنه لا يمكن لدولة ذات سيادة أن يكون سجل سكانها ومجالها الجوي ومواردها المائية تحت سيطرة قوة أجنبية، فهذه "ليست سيادة".
وعن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، قال الخالدي إنه لم يكن بإمكان الحركات الطلابية في أميركا تمرير مثل هذه القرارات في الحرم الجامعي قبل 20 عاما، لكن الأمر بات سهلا اليوم.
الخالدي: الإسرائيليون يتهمون كل من يجرؤ على التحدث عن هذه الإبادة الجماعية في غزة بمعاداة السامية "لأنهم لا يملكون حججا" (الجزيرة)
ومضى إلى القول إن الإسرائيليين يتهمون كل من يجرؤ على التحدث عن هذه الإبادة الجماعية في قطاع غزة بمعاداة السامية "لأنهم لا يملكون حججا".