سرقت بعضها
تقرير: إسرائيل تدمر المعالم التاريخية والأثرية في غزة
إلى جانب الدمار الواسع الذي طال البناء الحضري في قطاع غزة خلال عام من حرب الإبادة الجماعية، لم تنفك إسرائيل عن تدمير المعالم الحضارية التاريخية والأثرية وسرقة بعضها.
ويعد قطاع غزة، من المناطق القديمة تاريخيا، التي شهد حضارات تاريخية عدة مثل الفرعونية والإغريقية والرومانية والبيزنطية والكنعانية والفينيقية، وأخيرا الإسلامية التي جسدتها دول متعددة أبرزها المملوكية والعثمانية.
أثمرت هذه الحضارات على مدار التاريخ بترك شواهد عمرانية وتاريخية في القطاع ما أضاف له قيمة ثقافية وتاريخية وجسد عراقته وتجذر الشعب الفلسطيني فيه.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، دمرت إسرائيل نحو 206 مواقع أثرية وتراثية من أصل 325 موقعا في القطاع، بحسب آخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.
وقال مدير عام المكتب الاعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة، إن بعض المواقع الأثرية والتراثية التي استهدفها جيش الاحتلال الإسرائيلي تعرضت للتدمير الكلي، فيما تعرضت أخرى للتدمير الجزئي، وتشمل مساجد وكنائس ومدارس ومباني أخرى.
وقال الثوابتة إن أكثر المواقع الأثرية تضررا كانت بمدينة غزة القديمة، التي تُعرف بـ"البلدة القديمة"، وهي مدينة أثرية تعود إلى الحضارة الفينيقية، التي ترجع إلى نحو 1500 عام قبل الميلاد.
فقد تعرضت هذه المدينة، وفق الثوابتة، للقصف والاستهداف، بما أدى إلى أضرار بالغة في العديد من مبانيها القديمة، ويشمل ذلك أسوار وبوابات ومباني أخرى، أبرزها بيت السقا وبيت الغصين الأثريين اللذين يعودان للعهد العثماني.
وتضم البلدة القديمة الأحياء الأربعة "الشجاعية، والزيتون، والتفاح والدرج"، وهي مناطق تعرضت لقصف إسرائيلي جوي ومدفعي واسع.
أبرز المواقع الأثرية المتضررة:
أولا: البلدة القديمة:
المسجد العمري
يعد المسجد العمري من أكبر وأعرق مساجد غزة، وثالث أكبر مسجد في فلسطين بعد المسجد الأقصى في القدس، ومسجد أحمد باشا الجزار في عكا.
وتم تأسيس هذا المسجد قبل أكثر من 1400 عام في حي الدرج وسط البلدة القديمة، ومر إنشاؤه بـ6 مراحل شهد خلالها تحولات عمرانية لافتة.
فعلى مدى قرون، تحول من معبد للوثنيين إلى كنيسة بيزنطية، ثم إلى مسجد في عهد الخليفة عمر بن الخطاب بعد فتح فلسطين عام 636 ميلادي.
وخلال الحروب الصليبية، أعيد تحويله إلى كنيسة، ثم لمسجد في العهد المملوكي مع إضافة بعض التفاصيل المعمارية، ليخضع لتوسعات إضافية في العهد العثماني.
خلال الحرب، تعرض المسجد لتدمير شبه كامل جراء قصف إسرائيلي جرى أول توثيق له في كانون الأول/ ديسمبر 2023.
كنيسة القديس برفيريوس
هي أقدم كنيسة في غزة وثالث أقدم كنيسة في العالم، حيث يعود تاريخ تأسيسها للقرن الخامس الميلادي.
وتقع هذه الكنيسة في حي الزيتون، وسميت نسبة إلى القديس برفيريوس حيث تحتضن قبره.
تعرضت للاستهداف المباشر لأكثر من مرة؛ الأول كان في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ما تسبب بدمار كبير، والثاني في الـ19 من ذات الشهر ما تسبب بانهيار مبنى وكلاء الكنيسة بالكامل، وأدى لوقوع عدد من القتلى والجرحى من النازحين الذين تواجدوا بداخلها.
مسجد كاتب ولاية
يشترك بجدار واحد مع كنيسة برفيريوس، ويعد من المساجد الأثرية المهمة بغزة، وتٌقدر مساحته بنحو 377 مترا مربعا، ويرجع تاريخ بنائه إلى حكم الناصر محمد بن قلاوون أحد سلاطين الدولة المملوكية في ولايته الثالثة بين عامي1341و 1309 ميلادية.
تعرض لقصف مدفعي إسرائيلي في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2023؛ ما أسفر عن تعرضه لأضرار.
مسجد السيد هاشم
يقع في حي الدرج شرق مدينة غزة، ويُعتقد باحتضانه قبر جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هاشم بن عبد مناف، والذي ارتبط اسمه باسم المدينة "غزة هاشم". تعرض لأضرار كبيرة جراء قصف شنته الطائرات الحربية الإسرائيلية في 7 كانون الأول/ ديسمبر 2023.
المستشفى الأهلي العربي المعمداني
تُعتبر من مستشفيات القطاع القديمة، وتتبع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس حيث تم تأسيسها عام 1882 ميلادية، على يد البعثة التبشيرية التي كانت تابعة لإنجلترا.
وتعد واحدة من ثلاث كنائس للمسيحين بغزة، بجانب كنيسة القديس برفيريوس والكنيسة اللاتينية.
تعرضت مباني المستشفى الداخلية والكنيسة للاستهداف المباشر خلال الحرب ما خلف دمارا واسعا بها.
وارتبط اسمها خلال الحرب بمجزرة كبيرة وقعت بقصف إسرائيلي استهدف ساحتها في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2023؛ ما أسفر عن مقتل نحو 500 فلسطينيا من المرضى والنازحين الذين تواجدوا بداخلها.
قصر الباشا
يقع في حي الدرج وهو أحد الشواهد العمرانية الذين تمزج بين الحضارتين المملوكية والعثمانية.
وفي عام 2010، تم تحويل الطابق السفلي من أحد مبانيه إلى متحف يجمع عددا من القطع الأثرية الفريدة التي تعود إلى الحضارات السابقة التي حكمت فلسطين.
في كانون الثاني/ ديسمبر الماضي، كشفت بلدية غزة عن دمار واسع طال أجزاء من مبانيه جراء قصف إسرائيلي.
سوق القيسارية الأثري
يعود تأسيسه إلى العصر المملوكي ويعرف باسم "سوق الذهب"، وتعرض محيطه لأضرار كبيرة جراء القصف الإسرائيلي منذ بداية الحرب.
سوق الزاوية الشعبي
هو امتداد تاريخي لسوق "القيسارية"، ويقع في أحد مداخله الرئيسية الجامع العمري الكبير. تعرضت الكثير من المحال والمباني فيه لدمار واسع جراء قصف جوي إسرائيلي خلال الحرب.
حمام السمرة
آخر الحمامات الأثرية الذي يعود للعهد العثماني، اختفت معالمه تحت ركام القصف الذي استهدفه بشكل مباشر في حي الزيتون، فيما جرى أول توثيق للدمار الذي حل به في شهر كانون الثاني/ يناير 2024.
ثانيا: مناطق أخرى
مقام الخضر في دير البلح
هو أول دير مسيحي يُبنى في فلسطين في العهد البيزنطي، ويقع في مدينة دير البلح وسط القطاع.
تعرض هذا الدير خلال الحرب لقصف إسرائيلي خلف أضرارا جزئية.
مخزن آثار غزة
مخزن يضم قطع أثرية تم تجميعها على مدار سنوات، وتعود لعصور تاريخيه مختلفة.
وثق الجيش الإسرائيلي في كانون الثاني/ يناير 2023 تدمير وسرقة مقتنيات المستودع بمقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل.
موقع ميناء الأنثيدون "البلاخية"
يقع شمال غرب مدينة غزة، ويعود تأسيسه إلى 800 عام قبل الميلاد على يد الكنعانيين. يعد من أهم المعالم الأثرية بغزة تعرض لتدمير وتجريف من الجيش الإسرائيلي خلال الحرب.
أهداف التدمير الممنهج
وتعليقا على هذا الاستهداف الواسع للمواقع التاريخية في غزة، اعتبر المسؤول الحكومي الثوابتة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي "يٌلحق الأذى بالشعب الفلسطيني وتاريخه وثقافته لتحقيق عدة أهداف".
وأوضح أن أول هدف يتمثل بـ"محاولة النيل من التراث الثقافي الفلسطيني؛ كونه جزء مهم من هوية الشعب، ويعكس تاريخه وحضارته، فيحاول الجيش من خلال التدمير طمس الهوية الفلسطينية"، مضيفا: "لكنه سيفشل".
ولفت إلى أن الهدف الثاني يتمثل في "كسر إرادة الشعب الفلسطيني من خلال استهداف المعالم التاريخية وبث الرعب في النفوس وإشعارهم بالعجز والضعف".
كما يحاول الجيش، وفق الثوابتة، ترسيخ "وجوده في فلسطين من خلال القضاء على أي رمز أو إشارة تشير إلى وجود الشعب الفلسطيني، فضلا عن محاولاته تأكيد مخططاته للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتفريغها من سكانها".
وعدّ الثوابتة استهداف المعالم التاريخية "جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي"، لافتا إلى إدانة العديد من الدول والهيئات هذا الاستهداف.
وبدعم أميركي مطلق تشن إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إبادة جماعية على قطاع غزة أسفرت عن أكثر من 138 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، يواصل الاحتلال الإسرائيلي مجازره بغزة متجاهلا قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.