صندوق النقد: نمو قوي للقطاع غير النفطي في دول الخليج في 2024
كشف المنتدى الاستراتيجي العربي عن أن التوقعات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 2024، يغلب عليها التفاؤل والإيجابية، حيث تؤكد المؤشرات مواصلة دول هذه المنطقة العمل على تعزيز النمو الاقتصادي، وتراجع التضخم، برغم استمرار حالة عدم اليقين حول تداعيات المخاطر الجيوسياسية الناجمة عن النزاعات في الإقليم والعالم.
ورصدت جلسة "حالة العالم العربي اقتصادياً في 2024"، التي تحدث فيها د. جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، أبرز الظروف والتأثيرات على اقتصادات المنطقة خلال العام 2023، وأهم السياسات والإجراءات الفاعلة الواجب اتباعها لضمان استمرار النمو وتعزيز قدرة اقتصادات المنطقة على الصمود في وجه التحديات الإقليمية والمتغيرات العالمية.
توقعات قصيرة المدى
أكد د. جهاد أزعور أن التوقعات قصيرة المدى لدول مجلس التعاون الخليجي في العام 2024، تحمل الكثير من الإيجابية، نظراً للنمو القوي في قطاعاتها غير النفطية، وذلك رغم أن التوقعات تميل إلى تباطؤ النمو في معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال 2023، قبل أن تعود إلى التحسن بشكل طفيف في 2024، إضافة إلى مؤشرات على وصول التضخم إلى ذروته العام الماضي في معظم دول المنطقة ليعاود الانخفاض بعد ذلك، مع وجود بعض الاختلافات بين الدول.
وتابع : "نحن نعيش في مرحلة التحالفات الكبرى ودول الخليج العربي بصفة خاصة شريك أساسي فيها، وقد منح حرصها على المشاركة في التحالفات الاقتصادية الكبرى مثل بريكس؛ القدرة على المساهمة في ترك بصمة في التحولات الاقتصادية الجديدة، وقد ساهمت دول الخليج بنحو 50 مليار دولار خلال الأعوام الماضية في اقتصاديات الدول المجاورة في الوقت الذي بلغت فيه مساهمات صندوق النقد الدولي في الفترة نفسها نحو 35 مليار دولار، والعالم يريد من الدول العربية بصفة عامة أن تكون شريكاً أساسياً في هذه التحولات".
سياسة نقدية متشددة
وفيما يتعلق بالقطاع المالي، قال د. جهاد أزعور إن أسعار الفائدة استمرت في الارتفاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2023، وإن كان بوتيرة أبطأ مما كانت عليه في عام 2022.. ونتيجة لذلك، ستظل السياسة النقدية متشددة بشكل عام في غالبية دول المنطقة، ولكن ليس في جميع البلدان. وبمقارنة أسعار الفائدة الاسمية مع تقديرات سعر الفائدة الطبيعي، هناك حاجة إلى مزيد من التشديد للسيطرة على ديناميكيات الأسعار في بعض الدول العربية.
وأشار إلى أن تدفقات رأس المال إلى المنطقة شهدت انتعاشاً في أول شهرين من العام الماضي، كما عادت التدفقات إلى المنطقة في أعقاب الاضطرابات المالية العالمية في مارس، على عكس الأسواق الناشئة الأخرى، وإن كان بوتيرة أبطأ بكثير مما كانت عليه في عام 2022، وفي أعقاب النزاع في غزة، كانت هذه المعدلات في اتجاه نزولي تسارع مع الأزمة، ولكنها عادت بعد ذلك إلى مستويات ما قبل النزاع.
وأوضح جهاد أزعور أن النزاع في غزة، لم يكن له تأثير يذكر على قطاع النفط والغاز، بينما كان له تأثير سلبي على قطاعات السياحة في الاقتصادات المجاورة، حيث تتعرض عائدات السياحة، وهي صادرات مهمة للعديد من اقتصادات المنطقة، للخطر وسط مخاوف السفر. وشكلت السياحة ما بين 5 – 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في جميع بلدان المنطقة قبل وباء كورونا.
وأشار إلى أن الأحداث السياسية التي تمر بها المنطقة لها تأثير كبير على المستوى الاقتصادي، وهناك ثلاثة محاور اقتصادية تأثرت بهذه المجريات وهي الحركة التجارية وحركة الاستثمار والأسواق وقطاع النفط والغاز.
وتابع: أثرت وتيرة الأزمة على الحركة التجارية، حيث إن هناك تراجعاً شهدته المنطقة خلال الفترة الماضية، إذ تراجعت حركة التجارة في قناة السويس بنحو 15 بالمئة وهي نسبة كبيرة بالمقارنة مع العام الماضي، كما ساهمت الأزمة في زيادة تكلفة التصدير، منوهاً بأن سوريا والأردن ومصر تعتبر أكثر الدول تضرراً من استمرار الحرب في غزة.
ولفت إلى أن قطاع النفط في المنطقة شهد صدمات كثيرة خلال الفترات الماضية، لكن أثبتت دول الخليج العربي قدرتها الكبيرة على التكيف السريع ومواجهة كافة المخاطر التي قد تؤثر على توريد النفط.
وأكد أن الاقتصاد العالمي يعيش حالة من التحسن التدريجي البطيء، منوهاً إلى أن هناك عدداً من التحديات التي يواجهها منها التحول نحو التكنولوجيا والتحول البيئي وتغير التكتلات الاقتصادية الناتجة عن النزاعات الجيوساسية، لافتاً إلى أن عام 2024 يعتبر عام التحول على مستوى المنطقة والعالم.
وشدد على أن دول الخليج العربي باتت تلعب دوراً كبيراً على المستوى الاقتصاد العالمي، حيث باتت أكثر قدرة على ترسيخ عملية الانفتاح الاقتصادي وبناء اقتصادات نشيطة بالاعتماد على ما تمتلكه من بنية لوجستية متطورة.
تحديات طويلة الأمد.
وبالنسبة للتحديات طويلة الأمد، قال جهاد أزعور إن هذه التحديات لا تزال قائمة، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم ومعدلات البطالة وانخفاض الإنتاجية، ومع استثناءات قليلة، لم يُترجم التعافي منذ الجائحة إلى خلق فرص عمل ملموسة وانخفاض البطالة، مع بقاء البطالة في بعض أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعلى مما كانت عليه في عام 2019، وهذا أمر بالغ الأهمية بالنظر إلى الحاجة الملحة لخلق فرص عمل للعمالة سريعة النمو، إذ سيصل أكثر من 100 مليون شاب في المنطقة إلى سن العمل خلال السنوات العشر المقبلة، وفي حين اتخذت بعض البلدان إصلاحات هيكلية في هذا الشأن، فإن تحديات سوق العمل في المنطقة تعكس عموماً تقدماً محدوداً في تنفيذ الإصلاحات.
وشدد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي على ضرورة مسارعة متخذي القرار إلى إقرار وتنفيذ إصلاحات بنيوية، تكفل استمرار النمو الاقتصادي وتعزيز القدرة والجاهزية على مواجهة التحديات، خصوصاً مع ميل الكفة إلى استمرار حجم المخاطر والبيئة العالمية الأكثر عرضة للتقلبات والصدمات.
ودعا أزعور، إلى تسريع العمل على تنويع الاقتصاد وتهيئة البيئات الاقتصادية التي تشجع الاستثمار الخاص، وتنفيذ الإصلاحات الرامية إلى تحسين مؤشرات الحوكمة، وضمان تكافؤ الفرص بين الشركات العامة والخاصة، وتجديد أنظمة الحماية الاجتماعية، وتعزيز الرقمنة، مؤكداً حاجة الدول التي تتمتع بأسعار صرف مرنة وضغوط تضخمية مستمرة، إلى الإبقاء على السياسة النقدية المتشددة.