تنظيم قطر لكأس العالم درس للأجيال في تحقيق ما قد يبدو مستحيلاً
قال إيهاب المالكي، مدير المحتوى الإعلامي العربي في اللجنة العليا للمشاريع والإرث، إن استضافة قطر التاريخية لبطولة كأس العالم درس عملي للأجيال القادمة في إمكانية تحقيق ما قد يبدو مستحيلاً، مشيراً إلى أن الدوحة فاجأت العالم في عام 2009 بتقديم ملفها رسمياً لاستضافة المونديال، في خطوة بدت آنذاك صعبة المنال، إلا أن ملف قطر نجح في إبهار العالم، وتحقق الحلم وربحت الدوحة التحدي، ونجحت في تنظيم أفضل نسخة في تاريخ كأس العالم.
وأضاف المالكي في حوار لموقع (Qatar2022.qa)، ضمن سلسلة للجنة العليا بعنوان "مونديال استثنائي": "ستبقى هذه النسخة من كأس العالم في ذاكرة الجميع، فقد حققت قطر نجاحاً غير مسبوق، إذ شيّدت سبعة استادات بالكامل خصيصاً للبطولة، في حين شهد استاد خليفة الدولي أعمال تطوير شاملة، بالتوازي مع تنفيذ سلسلة من مشاريع البنية الكبرى على مستوى عالمي، ضمن جهودها لتحقيق رؤيتها الوطنية 2030، رغم ما واجهته البلاد من تحديات في سنوات الإعداد للبطولة."
أمضى المالكي أكثر من خمس سنوات مع فريق المونديال، بعد أن عمل في الكتابة والترجمة الصحفية قطر والخليج على مدى أكثر من خمسة عشر عاماً، وتولى إدارة فريق المحتوى الإعلامي العربي المعنى بنقل كافة التفاصيل المتعلقة بالبطولة إلى وسائل الإعلام في المنطقة وخارجها، مثل مراحل تشييد الاستادات والإعلان عن جاهزيتها، واستضافة قطر للأحداث الرياضية استعداداً للمونديال، وصولاً إلى أيام الحدث العالمي الذي استقبلت قطر خلاله أكثر من مليون و 400 ألف زائر.
من اعتزال الكرة إلى قلب المونديال
توقّفت مسيرة المالكي مع ممارسة كرة القدم التي يعشقها، عقب كسر مضاعف في كاحل قدمه اليسرى، خلال مباراة على أرضية استاد جامعته في صعيد مصر، قبل نحو شهرين من اختبارات السنة النهائية في دراسته الجامعية.
لم يكن يخطر بباله آنذاك، وهو يمضي ليلته في المستشفى، وتغمره مشاعر الحسرة على انتهاء مشواره مع رياضته المفضلة، أنه سيكون يوماً ما في القلب من تنظيم أهم بطولات كرة القدم في العالم، بعد نحو عقدين من تلك الليلة التي لن ينساها، لينضم إلى الفريق الذي نجح في تنظيم أول نسخة من المونديال في العالم العربي.
فرصة العمر
عمل المالكي مدرساً للغة الإنجليزية في مصر لفترة وجيزة، قبل أن يستكمل دراساته العليا في الترجمة، والانتقال للعمل في قطر، لتأتيه بعد ذلك بسنوات الفرصة التي لم يكن يحلم بها يوماً، وفي هذا السياق يقول: "العمل في كأس العالم فرصة العمر بالنسبة لي، ولا يمكن مقارنتها بأي محطة أخرى في مسيرتي المهنية، والقيام بأي دور في تنظيم المونديال هو مبعث فخر لا يمكن وصفه بالكلمات، لذلك لم أتردد لحظة عندما أتيحت أمامي هذه الفرصة الفريدة، وتركّز جهدي على مواصلة العمل دون كلل ضمن فريق المونديال حتى إسدال الستار على منافسات نسخة استثنائية من كأس العالم."
جودة المحتوى العربي
وفي سؤال حول طبيعة دوره في فريق المونديال، قال المالكي: "تركّز دوري حول ضمان جودة المحتوى المقدم للقارئ عبر مختلف المنصات. ولأن جانباً كبيراً من المحتوى الذي نقدمه يجري تعريبه عن نصوص بالإنجليزية؛ حرصنا على إنتاج محتوى جيد وواضح كأنه مكتوب أصلاً بالعربية، فلا يشعر القارئ أنه مترجم عن نص آخر."
وأضاف: "كثيراً ما كنت أردد لزملائي: إذا شعر القارئ أن النص الذي يطالعه مترجم عن نص أجنبي فقد أخفقنا في أداء مهمتنا، لذلك ينبغي أن يلمس القارئ بين سطورنا أصالة النص وجودته ووضوحه وتماسكه. كما يجب التركيز على سهولة النص ووضوحه دون تعابير أو مصطلحات قد تعيق القارئ عن فهم ما نقصده، فالأهم هنا هو إيصال الرسالة واضحة دون لبس."
وتابع المالكي قائلاً إن الاهتمام الهائل من جانب الجمهور العربي بالبطولة، كونها أول نسخة من المونديال تقام على أرض عربية، وضع على عاتق فريقه مسؤولية وضع هذا الجمهور العريض في بؤرة اهتمامه، ونقل تفاصيل الإعداد للبطولة، من خلال لغة سهلة وبسيطة ومباشرة، يواكب من خلالها الجمهور كل ما يتعلق بمونديال العرب.
إرث عالمي من المنشآت والخبرات
وتطرّق المالكي للحديث عن الإرث الذي تركته استضافة قطر لكأس العالم، وقال: "تركت البطولة إرثاً مستداماً يعود بالفائدة على قطر والمنطقة، مثل الاستادات الثمانية، والعشرات من ملاعب التدريب، ومرافق البنية التحتية عالمية المستوى، والتي أبهرت الجمهور من جميع أنحاء العالم. ومن أبرز جوانب إرث المونديال أيضاً المعرفة والخبرات الهائلة التي اكتسبتها فرق العمل على مدى سنوات طويلة في رحلة الإعداد لاستضافة المونديال."
وتابع: "شاركت فرق العمل في تنظيم العديد من الأحداث الرياضية التجريبية استعداداً للمونديال، منها مثلاً نسختين من كأس العالم للأندية، وكأس الخليج العربي 24، وكأس العرب 2021، وثلاث نسخ من كأس السوبر الإفريقي، ونهائي كأس الأمير منذ العام 2017، والتي كانت تشهد سنوياً افتتاح الاستادات المونديالية، الأمر الذي زوّد العاملين في كافة العمليات التشغيلية بخبرات لا تقدر بثمن. فقد أصبح الفريق يتقن التعامل مع جميع الجوانب التنظيمية للأحداث الرياضية باحترافية واقتدار."
الاستفادة من الفرصة
ولدى سؤاله عن النصيحة التي يوجهها لكل من يعمل في أحداث رياضية كبرى بالمستقبل مثل كأس العالم، قال المالكي: "نصيحتي هي تحقيق أكبر استفادة ممكنة من هذه الفرصة التي نادراً ما تتكرر، والحرص على التعلّم من الآخرين، خاصة أن فرق العمل في تلك الأحداث الكبرى تضم كفاءات متنوعة يندر تجمّعها في موقع واحد."
ذكريات المونديال
وحول أهم ذكرياته مع كأس العالم، قال المالكي: "رغم ضغوط العمل خلال أيام البطولة، حرصت على ألا أفوّت فرصة إقامة منافسات المونديال في بلد أعيش فيه، ولذلك سعيت للاستمتاع قدر الإمكان بكرة القدم في أهم بطولة للعبة الأكثر شعبية في العالم، بعد أن حرمتني الإصابة من ممارستها."
وأضاف: "عشت أجواء المونديال مع مئات الآلاف من قطر وخارجها، وشاهدت أبرز نجوم كرة القدم في العالم، وحضرت العديد من المباريات في استادات البطولة، ثمانية منها في استاد لوسيل، الذي يبعد عن منزلي أقل من 15 دقيقة سيراً على الأقدام، ولا شك أن تلك اللحظات المونديالية ستبقى محفورة في ذاكرتي ما حييت."