صامويل إيتو: التأثير الإيجابي لكرة القدم في العالم بات أوضح أكثر من أي وقت مضى
لقد وصلنا إلى أكثر لحظات العام إثارة في الموسم الكرويّ، إذ يشهد هذا الأسبوع ختام دوري أبطال أوروبا، ونهائي الدوري الأوروبي، ومباراة كأس السوبر الإفريقي، إلى جانب المباريات الختامية التي يسدل معها الستار على العديد من الدوريات الأوروبية الكبرى، وجميعها مباريات يتمنى كل لاعب أن يسجل حضوره فيها. خلال مسيرتي الكروية، نلت شرف اللعب في العديد من المباريات المهمة، ومنها نهائي دوري أبطال أوروبا الذي شاركت فيه ثلاث مرات توّجت خلالها باللقب مرتين مع برشلونة ومرة مع إنتر ميلان، لذا أعلم شعور اللاعب وهو يعيش أجواء تلك اللحظات مع عائلته وزملائه في الفريق والجماهير.
يسعدني أن يكون فريقي القديم تشيلسي طرفًا في المباراة النهائية لدوري الأبطال من جديد. يرى البعض أن مانشستر سيتي هو الفريق الأقرب لنيل لقب البطولة، ولكني أرى أن المباراة النهائية لها حسابات مختلفة، إذ تقبل جميع الاحتمالات وتتساوى فيها حظوظ الفريقين، وقد سبق ورأينا أكثر من مرة فريقًا يخوض المباراة النهائية وليس لديه حظوظ في الفوز، ومع هذا يتوَّج باللقب.
سيسجل نهائي البطولة الظهورَ الأول للاعبينِ صاعدين هما فيل فودن وماسون ماونت في مباراة مهمة. لقد قدم اللاعبان موسمًا رائعًا برغم صغر سنهما، وقد يكون لهما تأثير كبير في نتيجة المباراة. يوجد العديد من الأسماء الكبيرة في عالم كرة القدم سواء في الماضي أو الحاضر التي لم يحالفها الحظ للمشاركة في مثل هذه المباريات المهمة، لذا ينبغي للاعبين المشاركين أن يغتنموا تلك الفرصة ويبذلوا قصارى جهدهم ليأثروا في نتيجة المباراة لصالح أنديتهم.
نحن على موعد هذا الأسبوع كذلك مع المباراة المؤجلة بين فريقيّ الأهلي المصري ونهضة بركان المغربي في نهائي كأس السوبر الإفريقي الذي سيقام في الدوحة. ويسعدني أن أرى الدوحة تستضيف مباريات مهمة، إذ تقدم هذه المباريات فرصة للاستعداد الأمثل للمونديال قبل انطلاقه العام المقبل.
مونديال قطر 2022 سيترك إرثاً قيماً
مع اقتراب المونديال الذي لم يعد يفصلنا عن صافرة انطلاقه سوى 18 شهرًا تقريبًا، يتزايد الحماس في قطر والمنطقة. سيكون مونديال قطر 2022 شاهدًا على نجاح قطر في استضافة بطولات كروية عالمية، وأتمنى أن يترك المونديال أثرًا طيبًا يبقى في ذاكرة الناس، وأن يتذكر المشجعون والزوار الأداء الجيد على أرضية الملعب، وتجربة الجماهير الاستثنائية، والإرث القيم الذي سيعود بالنفع الكبير على قطر ومنطقة الشرق الأوسط والعالم العربي.
في الأشهر الأخيرة الماضية، رأينا عددًا من لاعبي كرة القدم يعربون عن قلقهم بشأن قضايا حقوق الإنسان وغيرها من المشكلات الاجتماعية مثل العنصرية. وأنا من المؤيدين منذ وقت طويل لاستخدام اللاعبين لمنصاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على أية قضايا تهدف إلى إحداث تغييرات إيجابية ملموسة في العالم.
إن استضافة كأس العالم ميزة يصاحبها مسؤولية كبيرة. ومنذ بداية رحلة الاستضافة وقطر تقول إنها تتعامل مع البطولة باعتبارها فرصة لصنع تغيير إيجابي ومستدام في الدولة وترك إرث نافع للناس بعد انتهاء البطولة.
ومن بين المجالات التي أحرزت فيها قطر تقدماً حقوق العمال، وهي المسألة التي لاقت اهتمامًا واسعًا في الأشهر الأخيرة. فمنذ أن نالت قطر عام 2010 حق استضافة بطولة كأس العالم، طبقت اللجنة العليا للمشاريع والإرث إجراءات صارمة لضمان صحة العمال وسلامتهم طوال فترة عملهم في قطر، وطورت في هذا الصدد مجموعة من التقنيات الجديدة للتخفيف من تأثير الحرارة المرتفعة والتقليل من الإجهاد الحراري لخدمة العمال في مواقع العمل، كما تعاونت مع المقاولين لسداد أكثر من 100 مليون ريال قطري لعشرات الآلاف من العمال بعد أن جرى تحصيلها منهم بشكل غير قانوني أثناء عملية توظيفهم في بلدانهم.
كما أصدرت الحكومة تشريعًا جديدًا لإصلاح سوق العمل القطري. لقد أسهم تنظيم كأس العالم في تسريع تنفيذ هذه الإصلاحات على مدار العقد الماضي وساعد في زيادة معدلات العدالة والأمان في قطر على مستوى الإقامة والعمل.
مونديال قطر 2022 سيكون أكثر البطولات تقارباً في تاريخ كأس العالم
لقد حظيت في قطر بخوض تجربة إيجابية، فأنا أتردد على هنا منذ ثلاثة أعوام بعد أن أنهيت مسيرتي الكروية في نادي قطر الرياضي عام 2019. تتمتع قطر بثقافتها وعاداتها الفريدة، ومع هذا يجمع بينها وبين الدول التي استضافت كأس العالم سابقاً العديد من أوجه الشبه. فأهلها يتمتعون بكرم الضيافة، وللأسرة عندهم مكانة كبيرة، وهم في ذلك يذكرونني بالبرازيل في 2014 وجنوب إفريقيا في 2010. كما يوجد في قطر والعالم العربي قاعدة جماهيرية عاشقة لكرة القدم ستصنع بلا شك أجواء جماهيرية صاخبة في مونديال 2022.
ومن أهم المزايا التي تتمتع بها النسخة المقبلة من المونديال تقارب المسافات. فبمجرد وصول الجماهير واللاعبين والمسؤولين إلى مطار حمد الدولي، سيتسنى لهم الإقامة في مكان واحد طيلة فترة البطولة سواء في الفنادق أو الشقق الخدمية، بل وستتيح قطر للجماهير خيارات إقامة أخرى فريدة من نوعها، مثل التخييم في الصحراء أو الإقامة على متن سفينة سياحية فاخرة ترسو في منطقة الخليج الغربي وتطل على منطقة أبراج الدوحة بمناظرها البديعة. من جانب آخر، سيتسنى للجماهير حضور أكثر من مباراة في اليوم الواحد، وهو أمر مثير وسابقة لم تحدث من قبل في بطولات كأس العالم في العصر الحديث. وبفضل الطبيعة متقاربة المسافات التي تتميز بها بطولة قطر 2022، سيشعر الجميع كما لو أنهم في مدينة أولمبية، ولن يتكبدوا عناء السفر والتنقل من مكان لآخر طوال فترة البطولة.
استادات مبهرة
أعتبر نفسي محظوظاً لزيارتي الاستادات الأربعة الجاهزة حتى الآن لاستضافة المونديال. وأشعر في كل زيارة كما لو أنني طفل صغير حصل على لعبة جديدة، وكلما دخلت إحدى هذه الأيقونات المعمارية، أتمنى لو عاد بي الزمن عشر سنوات ليتسنى لي اللعب وتمثيل منتخب بلادي الكاميرون في هذه الاستادات المذهلة.
لقد صُممت كل تفصيلة صغيرة في استادات مونديال 2022 بعناية فائقة لتقديم أفضل تجربة ممكنة للاعبين وللجماهير. وبالنسبة لي، فإن أكثر ما يبهرني هو تصميم بعض الاستادات على نحو يجعلها قابلة للتفكيك والتبرع بأجزاء كبيرة منها إلى دول أخرى بعد انتهاء البطولة. لم يسبق لدولة أن فعلت ذلك، وسيكون هذا العمل بمثابة إرث عظيم لمونديال قطر 2022.
من واقع حديثي مع الناس في قطر، ألاحظ حماسهم الشديد للترحيب بضيوف قطر الذين سيأتون إليها من جميع أنحاء العالم لاستكشاف هذا البلد الصغير. سيتيح المونديال فرصة رائعة لشعوب العالم ليحتفوا سوياً بثقافاتهم المختلفة ويوحدهم حبهم لهذه اللعبة الجميلة بعد سنوات مليئة بالتحدي فرضها الوباء العالمي. أعتقد أن البطولة ستكون علامة بارزة في تاريخ كرة القدم، وأتطلع لمشاركة تجربتي مع الجماهير من مختلف أنحاء العالم.
بقلم صامويل إيتو، سفير اللجنة العليا للمشاريع والإرث