الأطباء يلاحظون هبوطا "غامضا" في حرارة جسم الإنسان
قبل مدة تقارب العقدين، قام الطبيب الألماني، كارل وندلريش، بتحديد حرارة الجسم الطبيعية عند 37 درجة مئوية، وظل هذا المستوى بمثابة مقياس موثوق في تقييم صحة المريض، لاسيما أن الحمى من الأعراض المشتركة بين عدة اضطرابات.
لكن باحثين في شؤون الطب، رصدوا درجات حرارة أدنى وسط الأشخاص البالغين، وفي سنة 2017، كشفت دراسة أجريت في بريطانيا وشملت عينة ضخمة من 35 ألف مشارك، أن متوسط حرارة الجسم كانت أقل من 36.6 مئوية.
أما في الولايات المتحدة، فأظهر دراسة طبية أخرى أن حرارة الجسم وسط جماعة من الناس في ولاية كاليفورنيا ومناطق أخرى تقارب 36.3 درجة مئوية.
وفي المنحى نفسه، قام باحثون في شؤون الطب والأنثروبولوجيا بدراسة حرارة الجسم وسط قبائل "التسيمان" وهم من السكان الأصليين في غابات الأمازون ببوليفيا.
وبعد 16 سنة من دراسة هؤلاء السكان الأصليين وعاداتهم، تبين أن حرارة أجسامهم ظلت تهبط بنسبة ضئيلة سنويا (0.09 فهرنهايت)، إلى أن وصلت حاليا إلى 36.5 درجة مئوية في المتوسط.
وقال الباحث في جامعة كاليفورنيا "سانتا بابرا"، مايكل غورفن، "في أقل من عقدين، لاحظنا تراجعا في حرارة الجسم يعادل الانخفاض الذي سُجل في الولايات المتحدةعلى مدى قرنين من الزمن".
وتم التوصل إلى هذه النتائج التي وصفت بـ"المدهشة" استنادا إلى بيانات لـ18 آلاف معاينة تخص ما يقارب 5500 شخص في الولايات المتحدة.
وأوضح غورفن أن الدراسة لم تستطع أن تحدد الأسباب "الدقيقة" التي أدت إلى هذا الهبوط في درجة حرارة الجسم، لكن ما هو مؤكد، بحسب قوله، هو أن جسم الإنسان شهد تغييرا على المستوى الفيزيولوجي.
ويرجح بعض الباحثين أن تكون الحرارة قد انخفضت لأن الجسم صار أقل إصابة بالعدوى، وذلك بفضل تطور النظافة ونقاوة المياه وتوافر اللقاحات والعلاجات الطبي.
وحينما يكون الإنسان في وضع جيد وسليم من الناحية الصحية، فإن الجسم يعمل بشكل أقل على محاربة العدوى، لاسيما أن المضادات الحيوية لعبت دورا في تقصير مدة المرض.
لكن هذه الفرضية ليست دقيقة ولا تساعد على تقديم صورة شاملة، بحسب الباحث غورفن، لأن الدراسة التي أجريت حرصت على أن تقيس درجة الحرارة في عدة حالات، لكنها لاحظت "الهبوط" نفسه، بين المرضى والأصحاء على حد سواء.
ويقر غورفن بأن تحسن الرعاية الطبية ساهم فعلا في انخفاض الحرارة لأن الجسم صار أقل تعاملا مع العدوى، لكن انخفاض حرارة الجسم لوحظ أيضا في مناطق فقيرة من قرى بوليفيا، أي وسط ساكنة لا تحظى بنظام متقدم للرعاية الصحية ولم تحقق تقدما كبيرا في التصدي للأمراض.
أما الطقس فهو عاملٌ وارد أيضا، بحسب خبراء، لأن جسم الإنسان يتأقلم مع محيطه، سواء في الشتاء أو في الصيف، لكن هذه الفرضية لا تجد ما يؤيدها في حالة قبائل الأمازون، لأن نمط حياة هؤلاء الناس لم يطرأ عليه تغيير كبير.
ولا يستخدم سكان هذه القبائل أي معدات لأجل التكييف والتدفئة حتى يقال إنها أثرت على الجسم وطريقة ضبطه للحرارة، وهو ما يعني أن الهبوط في حرارة الجسم ما يزال لغزا حقيقيا أمام الباحثين والأطباء.