العملات المعدنية..إرث ثقافي تاريخي يوشك على الانقراض
حملت العملات المعدنية عبر الزمن إرثا كشف الكثير من الأسرار عن تاريخ الشعوب، لكن هذه العملات توشك أن تختفي في عالمنا اليوم، ومعها إرث ثقافي كبير.
وفي تقريره الذي نشره موقع "ذي كونفرسايشن" الأسترالي، قال الكاتب مايكل ثيوفيلوس إن العملات النقدية تعتبر في عصرنا الحالي ثقيلة ومكلفة وناقلة للأمراض، لكنها عكست على مدى أكثر من 2600 عام صورا مختلفة عن المجتمعات البشرية والسياسات والأفكار التي عمل الحكام والساسة على ترويجها بين رعاياهم.
ولطالما نقلت العملات المعدنية رسائل متنوعة تناولها المؤرخون من منظور الزمان والمكان. ووصف المؤرخ هارولد ماتينغلي العملات النقدية الرومانية بأنها مثل الصحف في عالمنا المعاصر، إذ كشفت عن أسماء الأباطرة الجدد وورثة عروشهم، ووثقت الانتصارات والاحتفالات والمناسبات المهمة.
ذكر الكاتب أن العملات المعدنية يمكن أن تقدم تفاصيل تاريخية تفتقر إليها المصادر الأدبية. على سبيل المثال، فإن عملة سيسترتيوس البرونزية التي سكها الإمبراطور تيتوس بين 80 و81 ميلادية، تظهر بوضوح الشكل الخارجي لمدرج الكولوسيوم، وأيضا تقدّم صورة دقيقة للمدارج والمبنى من الداخل.
وتظهر العملات القديمة أيضا حدة التنافس بين المدن الرومانية، حيث كانت كل مدينة تتطلع إلى الحصول على لقب "نيوكوروس" أو حارس المعبد، حين تنال شرف بناء معبد للإمبراطور وعائلته، وكانت مدينة إفسوس أول من ينال هذا اللقب في عهد الإمبراطور نيرون (بين 54 و 68 ميلادية)، ونقشت عبارة "نيوكوروس" على عملتها.
كما استغل الأباطرة العملات المعدنية لتخليد انتصاراتهم العسكرية، وقد أصدر الإمبراطور فيسباسيان العديد من القطع النقدية التي تصوّر قمعه لثورة اليهود وتدمير هيكلهم، وفعل ابنه تيتوس الأمر ذاته عندما وثّق حصار القدس وسيطرته عليها.
وأكد الكاتب أن بعض الصور المنقوشة على العملات المعدنية منذ القدم ما زالت متداولة حتى أيامنا هذه، ومنها بومة أثينا التي نقشت على عملة "تترادراخما" منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وقد ظهرت على العملة من فئة 1 يورو.
وبيّن الكاتب أن النقود اتخذت عبر التاريخ البشري أشكالا ونماذج مختلفة، منها ما صنع على شكل ريشة، أو قوقعة أو قارب أو سكين، لكن لم يصمد منها إلا الشكل البسيط، أي الأقراص المعدنية الدائرية.
وختم الكاتب بأن القطع المعدنية حافظت عبر الزمن على تفاصيل دقيقة عن تاريخ الشعوب وهوياتها وحياتها الثقافية والسياسية والدينية، وأن المؤرخين وعلماء الآثار في المستقبل قد يجدون أيضا طرقا مبتكرة ليقتفوا آثارنا عبر فهم معاملاتنا المالية الرقمية.