الإسرائيليون اليهود كما أراهم في وسائل الإعلام

الكاتب: د.أحمد رفيق عوض
يجب أن أعترف أن عضو الكنيست تالي غوتليب تسلمني إلى نوبة صاخبة من الضحك وهي تنفجر غضباً واعتراضاً على ما يقوله الدكتور أحمد الطيبي من على منصة الكنيست، أناقتها الفاقعة ومكياجها الثقيل وشعرها الطويل وقامتها الضئيلة وتهديداتها وتعابيرها وشتائمها التي تصيب كل العرب، بمن فيهم الشعب الفلسطيني وكل جيرانهم وأقاربهم أيضاً، فيما هي تتحرك وتنتفض وتتحول إلى ما يشبه حبة الفشار في مقلى عميق، مشهد يدعو إلى الضحك حقاً، فأحمد الطيبي من جهته لا يوفر كلمة مستفزة إلا ويقولها، وهذه السيدة الغضبى لا توفر شتيمة أو اتهاماً إلا وتقوله، ليلخص هذا الغضب وهذا الاحتقان ما وصلت إليه إسرائيل ذاتها من ضيق الصدر وقلة الصبر وغياب الحكمة وعدم التبصر، غوتليب، الفاقعة والاستعراضية والغاضبة والمنفلتة والمغرورة، تمثل إسرائيل اليوم أيضاً، قوية بلا حكمة وعدوانية بلا مضمون، وغضب يؤدي إلى الهاوية.
وإذا كانت غوتليب تدفع إلى الضحك، فإن رؤية شخصيات أخرى من الإسرائيليين اليهود في وسائل إعلامهم أو غيرها، لا تدفع إلى الضحك إطلاقاً، فهناك حاخام اسمه موشيه فوغل، يتميز بوجه هادئ ومطمئن ويتحدث بلغة يخفي تحتها غضباً مكتوماً، يتحدث بهدوء متعمد عن القتل، هكذا، القتل كيفما اتفق، وهناك صحفي اسمه تسفيكا يحزقيلي، وقد رأيته عدة مرات في مقاهي رام الله في سنوات 2007 و2008، بصحبة صحفيين فلسطينيين، يومها لم يكن بلحية ولا بكيباه مثل اليوم، فهو يدعي الآن أنه خبير في الشئون الإسلامية، المهم أن هذا اليحزقيلي يدعو إلى القتل والثأر والثبور وعظائم الأمور، ويحزقيلي هذا يوهم من يسمعه ويراه أنه خبير حقاً، ولست هنا بمعرض النقاش في مستوى خبرته.
أما عضو الكنيست عن الليكود نسيم فاتوري، فهو مستفز إلى أبعد حدود الاستفزاز، ليس بسبب تهديده بحرق غزة وطرد المواطنين من الضفة وغير ذلك من الدعوات الوهمية فقط، بل من ثقته بنفسه وامتلاكه الحقيقة، عندما تستمع إليه وهو يتكلم، يعطيك احساساً بأنه مالك للحقيقة والتاريخ والواقع، فاتوري هذا يتحدث وكأنه يبث على الهواء مباشرة، وهو سياسي شعبوي خفيف وسطحي، ويبدو أنه يعتقد بأنه كلما كان شعبوياً وفظاً ومتطرفاً، كلما كان مقبولاً، وهي نسخة معطوبة من السياسيين الجدد الذين يحكمون في إسرائيل، ويتميز هؤلاء بالخفة والسطحية وقصر النظر، فهناك بن غفير، وهو ملك الدراما حقاً، أما دانييلا فايس فهي تتحدث كصدّيقة توراتية، وهي صورة لا تليق بها عندما تحذف الفلسطينيين من العالم كله.
والإعلام الاسرائيلي، حقيقة، يفيض بشخصيات إعلامية وسياسية تتسابق فيما بينها على إظهار التطرف والعدائية ضد الشعب الفلسطيني، وتتسامح معظم القنوات والمواقع الإسرائيلية بظهور شخصيات تدعو إلى الإبادة والكراهية والسخرية ومشاعر الاحتقار والاستخفاف، شاهدت شخصاً يفتخر بتدمير منازل الفلسطينيين في غزة، فيحظى بتصفيق حار من الحاضرين، وشاهدت مقدمي برامج وضيوفاً مهمين يدعون إلى القتل الجمعي بأسلحة فتاكة، ورأيت مقدمي برامج ومذيعين "يسحجون" لنتنياهو شخصياً، في مظهر يعمق أكثر فأكثر تحول إسرائيل فعلياً إلى دولة من دول العالم الثالث، حيث يتم توظيف الإعلام وتجويف مؤسسات الكيان القضائية والرقابية والتشريعية لصالح الحكومة.
يرى الإعلام الإسرائيلي – باستثناءات قليلة – أنه يقوم بواجبه الوطني في هذه الحرب، الأطول والأشد والأقسى، لهذا، فتح الباب على مصراعيه لشيطنة الفلسطيني وتجريمه، لتبرير "تحييده"، وهي الكلمة الأسيرة لدى هذا الإعلام كناية عن القتل أو التغييب، الشيطنة تفترض التعتيم على الفلسطيني واسكاته وعدم سماع صوته أو ألمه أو قضيته، اسكات الفلسطيني مرحلة أولى قبل اغتياله، وما بين الاسكات والاغتيال هناك عمليات شيطنة مركبة ومعقدة تبدأ بالقول أن لا فلسطيني هناك ولا حقوق له ولا وجود، الإعلام الإسرائيلي عندما يسمح لشخص ذي حيثية، صحفياً كان أم حاخاماً أم جنرالاً أم سياسياً، يدعو إلى الطرد أو القتل أو التجويع أو النفي، فإن ذلك يشكل انحداراً، ليس في اللغة فقط، بل في السياسة والتوجه، الدعوة إلى الإبادة أو التجويع ليست حرية رأي على الإطلاق، بل هي قرار جمعي بالإفلاس، وحتى الهزيمة، وإذا كانت القيادة الحالية لإسرائيل تدعي أنها تمثل دولة اليهود أو اليهود أنفسهم، فهي تقوم بما هو عكس ذلك تماماً، الإسرائيليون اليهود، كما أراهم في وسائل إعلامهمـ فقدوا المراوغة والمواربة والقدرة اللافتة في الصياغات، أصبحوا أكثر اتكاءً على لغة تلمودية وتوراتية حادة، وفيها من الشعارات والاحالات ما ينذر بشرور كثيرة.