رشا والغزلان… حكاية عن الخذلان والكرامة

الكاتب: د. محمد عودة
تبدأ الحكاية بلدغة أفعى أصابت غزالة يتيمة صغيرة تُدعى رشا. هرعت إلى امة الغزلان تستنجد، لكنها فوجئت بطردها خوفًا من أن ينتشر السم بين مكونات امتها، خرجت رشا وحيدة، تتألم من السم والبرد حينا ومن الخلان احياناُ كثيرة، بينما ظلت قبائل الامة تراقبها وهي تبتعد نحو المجهول.
مع مرمر الوقت تيقنت الامة ان رشا صمدت وانها رغم كل ما زالت حية، لقد تعافت من السم لكنها فقدت احدى ساقيها وتعيش في كهف بعيد تكافح فيه من أجل البقاء،وهي بحاجة لمساعدة من امتها، لكن الردود لم تكن سوى أعذار ومماطلات: زعيم يعتذر بانشغاله بتربية صغارقبيلته ، آخر يَتوعد بمواجهة الأفعى "في الوقت والمكان المناسبين"، وثالث يتحدث عن مساعدات مشروطة بموافقة الأفعى نفسها. الجميع اختبأ خلف وعود مؤجلة وخطط غير قابلة للتنفيذ.
في المقابل، الأفعى لم تتوقف. فقد أرسلت مندوبًا ليحذر الغزلان من "خطر غير مسبوق" تمثله رشا، مطالبًا بدعم مالي ضخم لمواجهتها، رغم أنها مجرد غزالة جريحة. بل وصل الأمر إلى محاولة إجبارها على الاستسلام والرحيل عن كهفها. وحين رفضت، أرسلت الأفعى طائراتها لتقصف أقاربها، فيما ظل بعض الزعماء في موقف المتفرج، غير معروف إن كانوا متواطئين أم ضحايا للخذلان.
لكن المفاجأة جاءت حين قاومت رشا وصمدت، وتمكنت من القضاء على عدد من الأفاعي الصغيرة التي حاولت اغتيالها في كهفها. أثبتت أن الضعف الجسدي لا يعني الهزيمة، وأن الكرامة تصنع من المستحيل معجزات، أمام صمودها، اجتمع زعماء امة الغزلان في قمة طارئة، النتيجة لم تتجاوز إصدار بيان "شجب واستنكار". فيما اكتفى بعضهم بالتفاخر بأنهم إذا ماتت سيذهبون لتكريمها ودفنها، لم يدركوا أن رشا، وهي المصابة الجريحة، ما زالت تقاتل دفاعًا عن كرامتهم جميعًا، وأنهم إن ظلوا على خذلانهم، فسيكون مصيرهم أسوأ منها.
الحقيقة أن الهدف الحقيقي للأفعى ليس رشا وحدها؛ بل هي مجرد البداية. البقية في الامة فالعشيرة ليست إلا حلقة من الحلقات التالية في مسلسل الافعى.
إن ما حدث لصغيرتهم سيتكرر مع الآخرين كباراً وصغاراُ إن لم يتداركوا الأمر، رشا، رغم ألمها، ما زالت تؤكد أن الفرصة قائمة أمام امتها للتكفير عن خذلانها بالتوحد خلف قرار الدفاع عن مصالحها التي تقتضي افشال مخطط الافعى وحلفائه، إن فعلوا فان لديها ما يكفي من الانتماء والكرامة لتسامحهم ،معروف ان لديهم الامكانية والوقت للعودة الى رشدهم.
هذه الحكاية الرمزية ليست مجرد قصة عن غزالة وأفعى، بل هي مرآة تعكس واقعًا أشد قسوة يعيشه كثيرون اليوم. رشا تمثل كل ضحية تُترك وحيدة في مواجهة آلة بطش لا ترحم، فيما يكتفي الآخرون بالشجب والبيانات الفارغة. وصمودها رسالة بليغة، أن الكرامة قد تصنع من الضعف قوة، ومن الجراح معجزة.
إن السكوت على الظلم خيانة، والتواطؤ معه مشاركة في الجريمة، وما لم تتحمل الأمم مسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية، فستتكرر قصة رشا في كل مكان وزمان، لله درّها من غزالة صغيرة، لقّنت الجميع درسًا في معنى الكرامة والإباء.