بين فَشل مفهوم الدولة تحت الاحتلال وشروط الصمود، قراءة في افتتاح دورة المجلس المركزي الفلسطيني

الكاتب: مروان أميل طوباسي
لم تكن منظمة التحرير الفلسطينية يوما مجرّد إطار مؤسسي ، بل كانت وما زال مفترض وجودها بمكانة حركة التحرر الوطني الجامعة في زمن الشرعية الثورية ، التي مثّلت التقاطع الوطني الفلسطيني الأوسع ، وقاطرة النضال من أجل إنهاء الأحتلال وتحقيق الحرية والأستقلال الوطني . إنها التعبير الأصدق عن وحدة الهوية السياسية لشعب يعيش على امتداد المنفى والشتات ، وتحت نير الإستعمار الأستيطاني ، هكذا كانت وهكذا يجب ان تبقى وترتقي بدورها .
من هنا ، كان من الخطأ الجسيم والخلل المفاهيمي ، أن نُسرع في الأعتقاد بإمكانية بناء مؤسسات دولة مستقرة ذات سيادة ومتواصلة تحت حراب الأحتلال ، قبل أن يُنجز الهدف الأساسي الذي وُلدت المنظمة من أجله وهو إنهاء الأحتلال أولاً .
لقد بدت تلك المقاربة ، التي تَبناها النظام السياسي الفلسطيني بعد أوسلو ، وكأنها قفزة فوق جوهر الصراع ، وأستبدال لتحرير الأرض بترميم الذات في ظل الإستعمار الأستيطاني ومفاهيم الحركة الصهيونية العالمية . لكن الأحتلال لم يكن يوما في وارد منح "دولة" ، بل كان دائما يعمل وفق عقيدته الثابتة والمتمثلة بالسيطرة والضم والتفكيك والأحلال .
فمشروعه السياسي لا يتغير ، شطب القضية الفلسطينية من جذورها ،
إجتثاث كل مقاومة فكرية أو عملية لها في الإقليم ، والتوسع بمشروع "أسرائيل الكبرى" في خارطة المنطقة دون مقاومة جدية تُواجهه في اطار ترتيبات "الشرق الأوسط الجديد" وما يتطلبه من إيجاد "سلطات متجددة " توائم رؤيته .
لكن الرياح لم تجرِ كما أشتهت سفن تل أبيب وواشنطن ، فالمفهوم الذي صُدّر للعالم عن "إسرائيل الضحية" لم يصمد أمام مشاهد محرقة القرن ٢١ والإبادة الجماعية اليومية في غزة بل في كل فلسطين ، ولم يعد العالم قادراً على تجاوز القضية الفلسطينية كملف ثانوي أو مؤجل .
لقد أدرك كثيرون ولو متأخرين ، أن فلسطين ليست هامشاً ، بل هي جوهر الصراع والأستقرار بالمنطقة ، وأن لا أستقرار دون عدالة ، وأن لا سلام دون عدالة وإنهاء الأحتلال ، وهذا ما يتوجب الإستفادة منه والبناء عليه من تعاظم التضامن الدولي الواسع لشعوب العالم وبدء أفول "العظمة الامريكية".
في هذه اللحظة التاريخية ، تتحرك الأهداف الصهيونية بوتيرة محمومة من واقع صراع تناقضاتها ، لتصفية ما تبقى من وجودنا الوطني ، إنهاء الجغرافيا الفلسطينية ، وإنهاء الوجود الديمغرافي بالمجازر والتهجير ، وتدمير الشرعية الوطنية الممثلة بمنظمة التحرير وكيانها السياسي ودورها التي نشأت من أجله مروراً بأدوارها الكفاحية كجبهة وطنية واسعة .
ورغم كل هذا ، لا تزال مفاتيح الخروج من المأزق في أيدينا حتى اللحظة ولو كانت متأخرة . فالوحدة الوطنية ليست ترفاً ، بل شرط بقاء .
والبرنامج السياسي لا يمكن أن يكون مفصولاً عن الشرعية الدولية والحقوق التاريخية السياسية غير القابلة للتصرف ، لكنه يجب أن يُعيد فرض العدالة والحقوق كمرجعية ، والنضال الشعبي التحرري المتكامل ، بأدواته السلمية والميدانية والسياسية ، كشكل الحاضن الأقوى لصمودنا وأنتصارنا .
وفي هذا السياق، يُشكل انعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير لحظة اختبار ، لا للنظام السياسي فقط ، بل للمشروع الوطني التحرري برمته . فالنِصاب الحقيقي لهذا المجلس ليس في عدد المقاعد التي ربما يشغل معظمها المراقبين في جلسته الإفتتاحية ، بل في مستوى التمثيل السياسي والإرادة السياسية النضالية التي يحملها .
واليوم ، إما أن يُعيد المجلس المركزي الإعتبار لوحدة التمثيل الفلسطيني ويطرح رؤية جامعة ديمقراطية تعتمد الشرعية الأنتخابية تُعبّر عن كل أبناء الشعب ، أو أن يتحوّل إلى صدى لمرحلة فقدت قدرتها على التأثير .
إننا بحاجة إلى قرار وطني يقول بوضوح ، لا دولة تحت الأحتلال ، بل مقاومة تُنهي الأحتلال ، وتبني الدولة على أسس من الحرية والكرامة والسيادة في هذا الزمن من تراجع هيمنة النظام أحادي القطب . هذا هو أمتحاننا اليوم ، إما أن ننجح فيه ، أو نترك الميدان لأعداء التاريخ والجغرافيا .