الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:26 AM
الظهر 11:47 AM
العصر 3:13 PM
المغرب 5:54 PM
العشاء 7:09 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الكلب "الوطني" وآوريم

الكاتب: المتوكل طه

***

نرى أن "السلطة"في أي مكان وزمان،تحاول أن تؤصّل مدارك أفراد شعبها،وتعبِّئه "بثقافة"وبمضامين تجعله على مقاسها وحسب متطلّباتها،ما يُنتج مجتمعا مُعدّاً سلفا،كلّ فرد فيه يمثّل نموذجا للإنسان"المستقرّ"الذي يصلح لأن يكون جزءا من "قطيع"،يسلك ويرقص على إيقاع سلطته.لأن المجتمعات،غالبا،تشبه طلبة مدرسة لها أسوارٌ عالية،ويتمّ صبّ مناهج محددة في رؤوس الطلبة،عبر منظومة متكاملة ونظريات وطرائق،كما يتمّ وضع "المادة"المطلوب التفكير بها في أدمغتهم،مثلما يضعون على ألسنتهم الكلام المطلوب،ليردّدوه.

إذاً؛لكل سلطة سياسية سياقات ثقافية وإعلامية واجتماعية..تسعى من خلالها،ضخّ حمولتها المحددة،في رؤوس أتباعها،عبر مناهج ومساقات،مستعينة بالترهيب والترغيب،وتراهن على الرعاع،أو تستخدم غالبا"الشبّيحة"في فرض الهيمنة،لتغليب مقولاتها.أما الذين يعارضونها فإنها تلجأ إلى التهديد والوعيد،إذا لم تستطع تدجين أو احتواء الأصوات المعاكسة.ولعل أسهل السبل للتصدي لهؤلاء الناتئين المُعارِضين هي إعدامهم معنويا،وتلوثيهم..عبر حملات مأجورة ومسعورة،تقف خلفها مطابخ وأجهزة.إن سلطة مُتحكّمة كهذه؛لا تعرف حقوقا ولا ديمقراطية،ولا تؤمن إلا بجاهلية الاستحواذ والقمع،ولا تعي أهمية الرأي الآخر وضرورته للمجتمع والتنمية.

إنّ لكل مواطن شرعية اكتسبها من آدميته وانتمائه وحقّه في التفكير والاعتقاد والاختيار،ما لم يقم بخرق السفينة ليغرقها،دون أن نعطي أنفسنا الحق للتفتيش في ضميره ونصبح مكارثيين.

بالحوار فقط نستطيع أن نتعرف على بعضنا البعض،لكي نجد نقاطا مشتركة تجمعنا على الحدّ الأدنى..وإلا ستسود الفوضى والديكتاتورية،وستشيع المفردات السوداء والاتهامات المتبادلة.عدا عن أن القمع والتكميم والاستهداف..سيؤدي إلى البحث عن بدائل سرّية وخطيرة،ويخلق مناخا مسموما،يعكّر الحياة ويبعث الكراهية ويؤدي إلى صدامات عنيفة.

أعتقد أن الشفافية والمساءلة والنقد المسؤول والمنحاز للمصلحة العليا،أقانيم يجب أن تكون،فإن غابت فإن التّهمة تلحق الذي غيّبها.

والظالم وحده الذي يضيق صدره من رؤية الحقيقة أو التعاطي معها أو المناداة بها

وتجدر الإشارة إلى أن السلطة المُسيطرة تعمل على تجييش أفرادها ودفعهم لحراك يخدمها،وهذا التجييش الشعبويّ يسم كل واحد من هؤلاء بسلوك "الكلب"،الذي يكتفي بالفُتات التي يُلقيها إليه صاحبه،ويربطه بجنزير متين،ويجعله حارسا على بابه،وعليه أن يعوي كلّما تطلّب الأمر،وينبح على الغرباء والقوافل التي تمرّ بمحاذاته.هذا"الكلب"هو ما نعرفه اليوم من خلال "الذباب الألكتروني"و"الطابور التشكيكيّ"والشتّامين دون مسوّغات ووعي،بل وصل الأمر إلى بعض الصحفيين الأجراء والمثقفين وبعض الساسة المخاتلين،الذين يصبّون جام زيفهم الممجوج على هذا الشعب أو ذاك الفصيل..فقط لأنهم"أبواق"لا أكثر.

انني اعتذر للكلاب التي خلقها الله تعالى،لأن هؤلاء السائبين من الناس لا يشاركون الكلاب الحقيقية الوفاء وطهارة المهمة.

ولطالما عانينا نحن الفلسطينيين من هذه الحملات المسيئة بافتراءاتها الظالمة.هؤلاء الأبواق منذورون للنباح ليس إلا،دون أن يفهموا أو يدركوا أنهم مُستخدَمون ومأجورون مقابل فتات وبقايا،بل إنهم أعداء أنفسهم!وغالبا ما يكون"صوتهم"عاليا مدوّيا،ويذهبون إلى اللغة النهائية كالتخوين والتفسيق والتكفير،ويدّعون أنهم يمتلكون الحقيقة النهائية،وهم الذين يعطون الشهادات،ويحقّ لهم،بلا شفاعة،تصنيف الناس والاجتراء عليهم واغتيالهم معنويا،لأن هؤلاء،كما يتوهّمون،حرّاس المشروع القومي والوطني،وينافحون عن مجترحي المعجزات من "القادة"والمسؤولين،الذين اشتروهم،كما اشترى عدوُّ عيسى عليه السلام،يهوذا خائنَ المسيح،بثلاثين قطعة فضيّة..فَخَسر نفسه.لكن الكلاب لا تعلم أنها خسرت كلّ شيء.كما أنهم كفروا..فَراحوا يرجمون من بعيد.

كما نعاني،داخليا،من هذه الظاهرة،مع أننا مع النقد المسؤول والواعي والقائم على أسس ومرافعات وجيهة..أما أن يذهب البعض لإعطاء صكوك الغفران أو صكوك اللعنة..فهذا يدلل على الخواء والخراب والخفّة،ويحول دون الحوار باعتباره الآلية واجبة الاتباع في كل الأحوال الوطنية.وينبغي لكل مَن ينتقد أن "يفهم"جيدا،قبل أن يهرف بما لا يعرف،ويقدّم مناجزته العقلانية الموضوعية،ويقدّم عبر خطابه البديلَ إن لزم الأمر.أما أن "يشتم ويسبّ ويشكك"هكذا..فنرجو ألا يُسمح بذلك بعدم التعاطي به أو شرعنته أو قبوله.لأن هذه الظاهرة سلاح ذو حدّين سيُصيب حدٌ منها صاحب اللعنات والافتراء.فمَن يحفر قبراً لخصمه عليه يحفر اثنين لأن خصمه سيصيبه بمقتلٍ،أيضاً،وبالضرورة.وأسأل:ألا يحفق للمُتّهم أيّا كان،أن يحظى بمحاكمة عادلة،قبل طرده من جَنّة الوطن أو الدّين أو الفصيل؟وكيف يتمّ تسويغ "القضاء"من الجلّاد،الذي يصمّ أذنيه،ويردد ما يقوله الأسياد؟

ألا يعرف هؤلاء أنهم يؤازرون ويدعمون الفرقة الصهيونية8200"أوريم"!

مَن هي أوريم؟هي التي تؤدّي نفس مهمّة أولئك الأبواق المُغرضين ،الذين يتقاطعون معها ويعملون في صفوفها،بصورة غير مباشرة.

إن الوحدة الاسرائيلية 8200 آوريم،والتي يجتمع بها قادة الاحتلال دائماً،لديها التعليمات اللازمة لبثّ الشائعات ونشر الشتائم والفتن،بين التنظيمات والمذاهب والطوائف ودول الإقليم،والتعرض للأشقاء والأصدقاء والشعوب،باسم الفلسطيني.

هذه الفرقة المزوّدة بأحدث التكنولوجيا المعلوماتية..مهمّتها شتم فتح باسم حماس،وشتم حماس باسم فتح،وشتم السعودي باسم الفلسطيني،وشتم اللبناني باسم السوري،وشتم العربي باسم التركي وشتم التركي باسم العربي،وشتم الشيعي باسم السُنّي وبالعكس،وشعوبنا المسكينة تقع في حبالهم!

كما يقومون باغراق وسائل التواصل الاجتماعي بمواد وأخبار وصور وفيديوهات،غالبيتها العظمى ملفّقة باحترافيّة،لزرع الفتنة والشِقاق والطائفية،بين أبناء الشعب الواحد،وبين الشعوب العربية فيما بينها،وتهدف هذه المواد،أيضا،إلى إضعاف الانتماء الوطني،وقتل المعنويات والتشكيك في الدّين والوطن والوطنيين.

وفي ظلّ هيمنة الكارتيلات الاقتصادية العابرة للقارات،وسيطرة الدول الكبرى على مفاصل الكوكب،وتوظيفها للدول الصغيرة والمغلوب على أمرها،وامتلاكها لآليات السيطرة والمراقبة والإحكام والملاحقة..أن العالَم مرسوم على ورقة تحت أنظار المتحكّمين،يعبثون به كيفما شاءت مصالحهم،ولا يلتفتون لأيّ حقوق إنسانية أو مراعاة أيّ قانون،مادامت شهواتهم تتغيّا الوصول إلى هدف ما.بمعنى أصبحت البسيطة البشرية محكومة بقدر الأقوياء!ولكن،هل هذا القول نهائي؟أعتقد أن ثمّة ما هو أقوى من هذا القدر ألا وهو إرادة الشعوب،التي تستطيع أن تتنطّح للأقدار الحاسمة المفروضة،وإزاحتها..وقد لا تتمكّن هذه الإرادة أن تكسر الهيمنة الجبّارة التقنية المُهيمنة،لكنها تؤسس لمنهج واجب الوجود،سيعمل،بالتراكم،إلى إحداث تشقّقات في جدران القوى المسيطرة،التي ستجد نفسها،أحيانا أو بعد حين،مضطرة للإنصات إلى تلك الإرادات.وهنا أحدّد:إن المجتمعات "المقاوِمَة"،وحدها،مَن يستطيع أن يردّ الثقافة المعادية"المسخ" التي تستهدف وعيَها.وهذا ما يميّز الشعب الفلسطيني الذي تم تعرّضه لاستراتيجيات حاسمة استهدفت وَعْيَه وهويّته وشخصيّته،عبر الاستلاب والتفريغ والتجهيل والتحوير والشطب والنفي..ومع هذا استطاع أن يتصدّى لكل ذلك..وينجو.وهذا لا يعني أن نركن على ذلك ونستكين،لأن التهديدات ما زالت قائمة داهمة.

وما هذا الانفتاح العولميّ الذي اجترحته أدوات العولمة وثورة الاتصالات،لا يعني،بالضرورة،أن المجتمعات تمتلك الحرية الكافية لكي تتعرّف على هويات ثقافية وفكرية جديدة ومختلفة،تُناجزها وتتجادل معها،ليصبح لديها هوية ثقافية غير تلك المُعدّة سلفا أو المُسيطَر عليها..لأن أداة العولمة مرتبطة،بالفعل،بخِطاب العولمة،ولأن الذي "يحقن"المجتمع بمضمون ما،يذهب نحو ما يجذب المُتلقّين بما يستهويهم إثنيّا وعقائديا،ويثير لديهم المخاوف من الهويّات الأخرى،ويوقظ فيهم ترسّبات مُعتمة تداعب عاطفتهم المشوّهة،وتشدّهم إليها.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...