الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:42 AM
الظهر 11:51 AM
العصر 3:09 PM
المغرب 5:45 PM
العشاء 7:00 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

"الجيوكونوميك" خارطة القرن للعالم الجديد

الكاتب: جودت مناع

تباينت المواقف إزاء مشادة الجمعة في البيت الأبيض بين ترامب وزلينسكي التي أسفرت عن طرده وحرمانه من الغداء.

ليس هذا فحسب وإنما وضعت الرئيس الأوكراني في مأزق وإحساس بخسارة حليف قوي دعمه خلال الحرب المستمرة مع روسيا.

الموقف المعلن من قبل الرئيس ترامب جاء بعد سنوات من فعل امريكي ورد فعل روسي إزاء طلب اوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو فجاء رد موسكو بإعلان الحرب على كييف لإثبات رفضها بالقوة لتغيير حدود سيطرة الأطلسي إلى تماس مباشر مع الحدود الروسية.

وقد يتساءل الكثيرون حول كيف ستتوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا والثمن الذي ستدفعه الأخيرة وهو ضم المناطق الشرقية التي انسحب منها الجيش الأوكراني غربا بما في ذلك جزيرة القرم إلى سيادة الدولة الروسية.

لكن الإجابة على هذا السؤال لن تكفي إذا ما كان الاهتمام ابعد من ذلك بالتركيز على تصرف ترامب مع ضيفه.

فالشعور الذي عبر عنه زيلنسكي بتكرار مقاطعة مستضيفه أمام ممثلي وسائل الإعلام العالمية صب الزيت على النار وهو ما فضح فلسفة ترامب ورؤيته للتحولات المرتقبة في النظام العالمي الجديد متعدد الأطراف وهو ما سعت إليه موسكو.

هذه الخربشات السياسية الخارجة عن التقاليد الدبلوماسية لها أسبابها التي كانت نتاجا لمواقف تعبر عن صراع ذاتي بداخل النفس لكلا الرجلين. ولم يعد هناك حرج لدى ترامب في أن يضغط على زيلنسكي وإن صح التعبير يفرض عليه التنازل عن أراض سيطر عليها الجيش الروسي خلال هذه الحرب وهو ما لم تعتاد السكوت عليه الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولعل زيلنسكي يدرك أن ما ارتضاه ضميره في لحظة حاسمة عندما أعلن تأييده لحرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس يفضح اعتباراته الدينية التاريخية لوجهة أيديولوجية وعليه أن يشرب من نفس الكأس الذي قدمه لنتنياهو حتى وإن كان بطعم السم.

إن اعتقاد زيلنسكي الخاطئ في قرائته للتاريخ الفلسطيني ساقه إلى فوضى المرحلة التي ينسق لها ترامب وعليه أن يمتثل لواقع تاريخي ليس بعيدا حين كانت كييف عاصمة للإتحاد السوفيتي قبل أن بفككه الغرب بقيادة واشنطن في اوائل تسعينات القرن الماضي.

ومع أن الرئيس ترامب تعامل مع القضية الفلسطينية بطريقة مغايرة عن تلك التي يتعامل بها مع القضية الأوكرانية تعكس رؤيته لتدوير النظام العالمي الجديد على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.

ذلك خلاف لما يروج له ترامب بأنه رجل سلام ولكن حقيقة الأمر يسعى لإشباع "المسيحية الصهيونية" التي تؤمن بتاريخ مزيف باعتقادات بعيدة عن سماحة الأديان باختلافها مما يتطلب استدعاؤه لارتكاب جرائم حرب بعنصرية فظة لإنهاء وجود الشعب الفلسطيني بإحلال استيطان صهيوني على أرضه غير مسبوق في التاريخ المعاصر.

ولا تتوقف تداعيات الجمعة على منطقتين تشهدان صراعاً تتزاحم فيه أطراف عدة لحماية مصالحها غير أن الرؤية تختلف عنه في اوكرانيا عن فلسطين المحتلة إذ تناهض الولايات المتحدة والغرب بمجمله حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وأرضه وحقوقه الوطنية المشروعة بينما تسمح لنفسها المشاركة في الحروب والمساهمة في تزويد هذا الطرف أو ذاك بالمال والسلاح للتأثير في نتائج الحرب لصالحها.

لكن اليوم يختلف عن الامس وغدا هو الحسم لمواقف ليس بقرار امريكي بل بتعدد الأقطاب في عالم يتراجع إلى ما كان عليه الحال السياسي والاقتصادي والعسكري والإنساني إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية.

لذلك قد لا نشهد عناوين مهمة لمؤسسات أممية وقانونية ولا لحلف الناتو الذي يرى فيه ترامب كلفة عالية تدفعها الولايات المتحدة.

إن ما سنشهده عالماً تشكله الصفقات التجارية تساهم فيها دول تعتمد على قوتها الاستراتيجية لذلك لن نفاجئ من صراحة ترامب حين يسعى ليعوض المليارات التي هي فاتورة دعمها لأوكرانيا خلال الحرب بتوقيع اتفاق مع زيلنسكي للاستحواذ موارد أوكرانيا من المعادن الثمينة.

وهناك أكثر من دليل على المنحى الفلسفي للنظام العالمي الجديد برؤية أمريكية وهو ما أعلن عنه ترامب الليلة الماضية عن توقيع اتفاقية مع تايوان بقيمة ١٦٠ مليار دولار لإقامة مصانع متخصصة في الشرائح الإلكترونية في ولاية اريزونا الأمريكية. وكذلك فعلت إيران حين أعلنت أنها ستبرم اتفاقية مع الولايات المتحدة بقيمة ترليون دولار لاسترضاء الرئيس ترامب ولوضع حد لمواجهة عسكرية مفترضة مع إسرائيل بدعم امريكي.

هذه التغيرات لن تقتصر على إقامة العلاقات الدولية الثنائية أو الإقليمية بالصفقات التجارية بل بإستحداث حدود سياسية تعتمد على القوة العسكرية وباستباحة دول وإضعاف أخرى.

ولا اخفي أن المنطقة العربية هي الأكثر استهدافا من قبل إسرائيل في غمرة التحولات إلى "الجيوكونوميك" كما أن أوروبا قد تشهد حالة ضعف لذلك ترجم قادتها انفعالاتهم إزاء ما جرى في البيت الأبيض بعقد اجتماع ضم زيلنسكي لصياغة رد على اقتراح ترامب لوقف إطلاق النار في اوكرانيا.

ولعل العالم العربي الذي يترقب بتفاؤل حذر اجتماع القمة العربية في القاهرة الثلاثاء يطالع بيانا يجسد على الأرض يأخذ بعين الاعتبار ما يجري من حوله ليس فقط في قطاع غزة الذي يرى فيه ترامب صفقة تجارية تحوله إلى "ريفيرا الشرق" وانما الوطن العربي من المحيط إلى الخليج بما يواكب روح التغيير المعاصر.

إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض أضاءت شعلة السباق إلى عالم جديد هو "الجيوكونوميك" وإن سيستغرق شكله وقتا ليظهر على أحدث خارطة للعالم منذ قرابة قرن.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...