المبدعُ يرسم الحُب
الكاتب: بكر أبوبكر
من الأخوة القلائل الذين عرفتهم يواكبون فلسطين في قيامتها الشريفة، وإشراقات مشعل ثورتها التي لا تنتهي، وحين خبوّ الأقمار حولها بل عندما تسقط العيون في بحر اليأس فتنهار الجُدُر هو الكاتب والسياسي والقائد بالحركة والمدرب المعتمد، والمبدعُ محمد قاروط أبورحمه.
يضعُ المبدعُ جزءًا من روحه والكثير مما يعيشه في بوتقة الكلمات فيصعدُ معها الدرجات، ويُصعِدك أنت معه حتى لتتوه أثناء حالة الصعود هذه أفعلتها حقًا! أم إنك مازلت تراوح في بحر الحيرة السابقة؟!
هو بمقدرة الحُب عندهُ يرسُم الإشكالات والإخفاقات والتراجعات وحالات الغرق بالاحزان والنوائب القاصمة بحرفية الفنان، ثم يجعلك تنظرُ اليها من داخل عربة القطار المزركش بالألوان البهيجة المسرع الى الأمام نحو النور والنوال.
يكتبُك صاحب الأقمار السعيدة في ذاته، ويكتب ذاته فيك مفترضًا أنه بشيئ من الفقرات والجُمل اليسيرة، وكثير من الفلسفة والمفاهيم والأفكار، وبقليل من الكلمات قد يصل بك نحو المبتغى.
لعلّه حين يراك في سوق أفكارك تنتقي المِلاحَ من باقات المُتاح ما تراه مناسبًا، يفاجِؤك بباقة جديدة، وثروة مفيدة، وفكرة لم تكن في سوق تبضعك اليومي أبدًا، فتصحو وتنبهر وتشعّ ابتسامات لانهائية.
حين يدخلُ المُبدع وصاحب القيامة حياضَك ومحيطك المفتوح فإنه يلامس في الذات، في ذاتك المسوّرة بالقوالب، محطة الشروق ليزرع فيك الإخلاص والفعل النووي متناهي الصغر ولكنه المثابر والذي يصرخ فيك ليل نهار: أن غروباتك مهما أزعجتك قصيرة.
المشرقُ البهيج يجعلُ من قلة أيام سعدك وظاهرة العجز التي قد تراها فيك متناقصة وقابلة للتلاشي، وهي للدرس والاستفادة فيك أقرب لأنها تقع في مساحة التفكّر والتأمل والاستفادة والتحمل.
في قطار البهجة الذي تركبه أنت-أن شئت- تختار ما تقول وتكتب وترسم وتختارمساحاتك المضيئة فتعلو وتصعد وتتحول لمجال التذكر الناهض على حساب ذاك الآفل والخابي.
لك أن تتذكر أو تنسى فهو فعل إرادتك أنت، والانسانُ بإرادته ينسى ما يريد ويتذكّر ما يشاء حين يضعُ الأقفال على صناديق الذكريات المؤلمة أو السقطات المربكة بعد أن يكون قد وعاها وفهمها واتخذ منها الوسيلة.
هكذا يفعل بك أخي وصديقي محمد قاروط أبورحمه، والقلة من أمثاله، وقلة القلة في حركة فتح، الذين أتقنوا فن البهجة والصعود واجتراح المُسعدات من قعر النوائب المقلقات والمآسي المُربكات في مسيرة قضيتنا الفلسطينية اللاهبة في زمن اللامعقول الكثير.
الانسانُ البهيجُ يستطيع أن يدفع الى الأمام، أمام عينيه وأمام عينيك أنت، نماء أفعاله الوردية، ولامعَ ذكرياته الجميلة أوالمثيرة أو البهيجة أو المتجددة أوالمقاومة المكافحة الثائرة، فيقترب هو -وأنت معه- كثيرًا من خيام الزاهدين وصوامع العابدين، وحالات المريدين المتصوفة المتأملين، ويقترب من إيمان الأبطال في قواعد المقاتلين، ويقين المعتقلين العظماء بالحرية من معتقلات النازيين، ومن أُثرة الصداقة والأصدقاء المحبّين حين يلتقون بوجوه طافحة بالذكرى الجميلة، تخالطها النسمات اللذيذة والقبلات وأحضان فرط السعادة.
المُبدع والمثابر والمحب والمبتهج كحال صديقنا يفترض بك أن تأتي وتترك الصناديق المغلقة وحالها، فأنت صاحب المفتاح، وعليه فلَكَ أن تفتح قلبك وعقلك على البشارات اليسوعية، والأنوار المحمدية والأنفاس الثورية، وأضواء القدس الفلسطنية، وعلى اللوحات الناصعة فتمزق الصور البالية أو الباهتة والمؤذية الى الأبد.
يكتُبكَ المبدع فيما هو من الكلمات القليل ولكنه الثقيل، ويكتب من الكلمات البسيط لكنه المُتعب، ويكتب من الكلمات الأثير لأنه يحب ما يكتب، ويكتب من الكلمات المثير لأنه يغتسل يوميًا ببحيرة التجدّد ونهرالياسمين وهمسات النجوم ونظرات الغيوم.
يكتبُ المبدع محمد قاروط أبورحمه بقلمه على الورق، وبيديه الاثنتين ربما على الحاسوب، وقبلها يكتب برأسه ما لا تستطيع يداه اللحاق به، لذا تجد ثلاثية الحب التي تغلف مكاتيبه مع التعلم والوفاء سِمة، وجدتها فيه وقلة من الأصدقاء، فحيث تعلّم هو فإنه يحب أن يعلّمك أنت، لأنه بذاته وعبرك ينجز حقيقة الاستخلاف الإلهية ويسعى بك للصعود معه الى مركب النوال.
كلُ المحبة والعرفان وكثير من الأوراد والصباحات اللطيفة والأيام المترفة بأمل النصر القادم لفلسطين لا محالة بإذن الله، نتمناها لمبدعنا ومبدعينا ومبدعاتنا، ولكل السائرين على درب فلسطين.