نبض الحياة: مشعل واسقاطات الوعي الاخواني
الكاتب: عمر حلمي الغول
يخطئ من يعتقد أن مطلق صراع لا يحمل في طياته ضحايا من فريقي الصراع. بيد أن هناك فلسفتين في علاقة أطراف الصراع تجاه العلاقة مع الجماهير، ففي الوقت الذي تحرص فيه القوى والنظم الثورية والتقدمية على حماية شعوبها قدر ما تستطيع من أخطار الصراع مع الأعداء، وتعمل بالوسائل كافة على أولا تقليص خسائر الصراع الى الحد الأقصى، ثانيا تأمين أماكن إيواء ومواد غذائية وحماية للجماهير الشعبية، ثالثا مضاعفة خسائر وتكلفة العدو، وزيادة عدد ضحاياه من مواطنيه لزيادة السخط والغضب في اوساطهم، وتعميق التناقض بين الشعب والنظام، رابعا قوى الثورة تعمل وفق القوانين والمعايير الأممية، وتحترم ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية، دون الانتقاص من حقها في الدفاع عن نفسها وأهدافها وثوابتها، والعكس صحيح بالنسبة للقوى الاستعمارية الرأسمالية، التي أولا تستبيح القوانين والاتفاقات الدولية كافة، لأن البند الأول على رأس جدول اعمالها، هو الهيمنة والسيطرة على ثروات الشعوب الأخرى لتحقيق المزيد من الربح الاحتكاري. رغم انها تدعي كذبا وبهتانا الالتزام بتك القوانين، ثانيا السمة العامة للحروب الاستعمارية الامبريالية وادواتها من المرتزقة في بقاع الارض والأنظمة الديكتاتورية تعميق وزيادة وتوسيع عمليات القتل لأبناء الشعوب المحتلة، وانتهاك ابسط حقوقهم الإنسانية، ثالثا تدمير مقومات الحياة كافة، لخلق بيئة متناقضة وانقلابية على القياداة الوطنية،
رابعا فرض الاستسلام عليها، والقبول بالأجندة الرأسمالية، او اجندة ادواتها الكولونيالية، كما في حالة اداتها الوظيفية النازية الإسرائيلية. التي تقود منذ 372 يوما على أبناء الشعب الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا، وكبدته ما يزيد على 160 الف شهيد وجريح، وتدمير معالم الحياة الادمية كافة في القطاع، ومازالت دورة حرب الإبادة الجماعية الصهيو أميركية غير المسبوقة بوحشيتها وأهوالها الفظيعة، وكوارثها لامتصاص اخر نقطة دم فلسطينية، لنفي الشعب عن ارض وطنه، وتحقيق هدف التطهير العرقي والتهجير القسري، وسيطرة إسرائيل اللقيطة على فلسطين التاريخية من البحر للنهر، وطمس الحقوق الوطنية الفلسطينية، وشطب سيادة دولة فلسطين واستقلالها على ارضها المحتلة، وفق قرارات الشرعية الدولية، وعدم عودة اللاجئين لديارهم.
وتجارب شعوب العالم الثورية، بما فيها تجربة الثورة الفلسطينية المعاصرة في المعارك التي خاضتها في مواجهة البلطجة الاستعمارية الإسرائيلية، وللدفاع عن اهداف الشعب العربي الفلسطيني، وحماية الاشقاء في لبنان، عندما كان مركز القرار في الساحة اللبنانية، لم تألُ جهدا قيادة الثورة ومنظمة التحرير الفلسطينية عن تقديم وتأمين ابسط مقومات الحياة لتعزيز صمود الشعبين الشقيقين، وخاصة اثناء الاجتياح الإسرائيلي الأميركي للبنان في حزيران / يونيو 1982، وسعت بثبات على تقليص الخسائر البشرية الى الحد الأقصى، رغم هول الحرب، وقدمت كل الإمكانيات لتأمين المقومات الأساسية للجماهير من الشعبين الشقيقين في العاصمة بيروت وغيرها من مواقع سيطرتها. وهكذا فعل الفيتناميون والصينيون واللاوسيون والكمبوديون والكوبيون والنكاراغويون والروس وغيرهم من الحركات الثورية في العالم.
ولم يخرج زعيم ثوري واحد، ليتفوه بمواقف تافهة ومتهافتة، ومتواطئة مع الأعداء، التي تستهدف إبادة هذا الشعب او ذاك، بل كان عنوان حماية أبناء الشعب ومصالحهم وتأمين ابسط مقومات استمراريتهم وبقاءهم على وجه الأرض على رأس اجندة سياساتهم وممارساتهم الثورية، وبالتالي حياة الانسان وديمومته، كانت حلقة استراتيجية في نضالهم الوطني. لان الصراع من الفه الى يائه يقوم ويتواصل لينتصر لمصالح وحقوق الشعب، وحمايتهم من الموت، ولم يكونوا يوما "خسارة تكتيكية" كما ذكر خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج في منتدى كوالامبور الذي عقد في 7 تشرين اول / أكتوبر، قبل 5 أيام تحت عنوان "فلسطين رافعة الاستنهاض الحضاري." وإذا كانت فلسطين رافعة الاستنهاض الحضاري، هل يجوز لرجل تولى رئاسة حركة حماس لعقدين من الزمان ان يعتبر ارتفاع عدد الشهداء والجرحى من أبناء الشعب خسائر تكتيكية؟ وأين هو الانتصار على إسرائيل؟ الم ترفعوا شعارات وهمية وكاذبة في بداية الحرب تتضمن التحرير، ثم ركضتم تلهثون كالكلاب المسعورة تنادون بعودة الأمور لماكنت عليه قبل 7 تشرين اول / أكتوبر 2023؟ هل ما نطقت به، كان هفوة، أم عن سابق وعي وتصميم؟
الحقيقة الموضوعية والمسؤولة، ان ما طرحه السيد مشعل، لم يكن عفويا، او ناتج عن جهل وغباء، انما هو حصاد التربية والوعي الذي نهل منه رئيس حماس في الخارج وقيادات الاخوان المسلمين في العالم قاطبة، هو ثمرة الحسابات والاجندات الخاصة والفئوية والإقليمية. لان قوة من القوى السياسية عندما تقبل ان تكون مطية وخادمة لأجندات الاخرين، يكون الشعب ومصالحه ومصيره آخر همومها، وتصبح الجماهير كما ذكر غازي حمد، ورقة مساومة، او درعا بشريا لحماية قيادات حماس، او لا يعنونهم شيئا، وحمايتهم خارج نطاق مسؤوليتهم، لان تلك المسؤولية تقع على عاتق وكالة الاونروا، وبالتالي فإن الانفاق لحماية قيادة وكوادر حماس، كما ذكر موسى أبو مرزوق.
تتبع أيها القارئ جيدا تلك المقولات والمواقف، تجد انها نهلت من ذات المستنقع الاخواني، الذي لا يعنيه الشعب، او هو في آخر قائمة الاهتمام، ان وجد اهتمام بالأساس.
ما ذكره مشعل وأبو مرزوق وحماد والحية وحمد وباقي اقرانهم من جوقة الاخوان المسلمين الفلسطينيين، هي عار عليهم، ولا تمت للوطنية بصلة، وهي انعكاس للوعي الظلامي الاخواني. وهناك الكثير مما يمكن ان يقال في هذا المقام البائس، لكن اكتف بما أوردت، لعل قيادة حركة حماس تعيد النظر في نهجها ومركبات وعيها الخطير، والمتناقض مع مصالح الشعب.