الخليل: الكريك حرفة تقليدية في الخليل العتيقة تلفظ أنفاسها الأخيرة
قصة طه أبو حسين/ مونتاج آيرين كيلة
أربعة أشقاء، الخامس عاملهم، أصغرهم ستيني وكبيرهم سعدي سعيد أبو الحلاوة، تجاوز الثمانين من العمر، يعملون معًا في صناعة (المجراد "الكريك"، والمتكات "طفاية السجائر" وأسياخ اللحمة وغيرها من مادة "الستانليس ستيل")، منذ ستينيات القرن الماضي، في ورشتهم الموجودة بالخليل العتيقة، وما زالوا رغم أن ورشتهم دخلت حالة الموت السريري منذ حكم السلطة الفلسطينية.
"تأسست ورشتنا عام 1962في خان شاهين، كنا نصنع (الطشت، الصينية، السدر، الصحن وغيرها من الأصناف التي وصلت حوالي 30 منتجًا). ثم أغلقت ورشتنا عقب مجزرة الحرم الإبراهيمي لاعتبارها موجودة في منطقة عسكرية مغلقة، وانتقلنا إلى منطقة الزاهد وما زلنا حتى اليوم" قال سعدي أبو الحلاوة.
في مساحة معتمة بالخليل العتيقة، فيها من الإنارة ما يعطي طابعًا خاصًا لمهنة تقليدية، مرتبة على نحو يستهوي هواة التصوير الفوتغرافي، لا سيّما بوجود آلات حديدية متوسطة الضخامة، يشغلها المسنين الخمسة، يعزفون بآلاتهم موسيقى صناعية تقليدية، يصنعوا من خلالها أدوات منزلية ما زال البعض لا يقتنع إلا بها كمقتنيات خاصة في منازلهم.
يقول سعدي "بدأنا العمل بالطريقة اليدوية، ومع الوقت أحضرنا آلات خاصة من سوريا لصناعة (الطشتات)، وبعدها دخل مادة (الستانليس ستيل) على العمل وعملنا بها مدة طويلة إلى حين قدوم السلطة الفلسطينية".
"قبل حكم السلطة الفلسطينية كنا ننتج (30 صنفًا) من (الستانليس ستيل) فأنا أول من أنتج هذه المادة في فلسطين والشرق الأوسط، وصنعنا منها ( لكون العجين والطشت والصحون)، بعدها صدّرنا منتجنا للأردن ومصر وغزة وثلاثتهم أصبحوا يصنّعوا ذات المنتجات" قال سعدي.
ورشة سعدي وأشقاؤه، كانت تعمل على مدار الساعة، وتتطور بشكل كبير، لا سيّما أن المنافسة غير موجودة على الصعيد الفلسطينية حتى جاءت السلطة الفلسطينية، إنقلبت الصورة كما يقول سعدي "بمجيء السلطة فتح الإستيراد من الصين، و(الطشت) الذي كنا نصنعه بوزن 3 كيلو غرام، إستوردوه من الصين بوزن نصف كيلو وبسعر زهيد، فأوقف الاستيراد كل أشغالنا وأصبحنا ننتج صنفين ثلاثة فقط من أصل 30 صنفًا".
"أكثر ما يحزنني إدارة الأعمال في فلسطين، فلا توجد حماية للتصنيع، ولو توجد حماية لشغّلت 20 عاملًا في هذا المشغل لكن للأسف لا تتوفر حماية للصناعة في كل فلسطين ولكل القطاعات، كالنسيج والأحذية. على عكس ما كان في عهد الأردن ،كانت الصناعة شبه محمية، ولم يكن عندنا منتج صيني، بل كنا نصدر للبلدان الأخرى" قال سعدي.
المسنون الخمس، يعملون معًا، فكلّ واحد يختص بأمر، أحد يقص الستانليس ستيل، ثم تمر بمراحل كبس متعددة، كل مرحلة يشغلها أحدهم، وأخيرًا يهتم أحدهم بتغليفها. يقول سعدي "في الوقت الحالي بالكاد نعمل ساعتين باليوم، لكن قبل التسعينات كنا نعمل عشر ساعات وأحيانا أكثر" قال سعدي.
لم يعد سعدي واخوانه يصنعون في ورشتهم إلا أصنافًا محدودة، أبرزها "الكريك" الذي ما زالت بعض العائلات الخليلية لا تقتنع ببديل له.
في ظلّ التراجع الصناعي الذي تشهده ورشة أبو الحلاوة، تخرج من أعماق الثمانيني سعدي جملة مليئة بالوجع "لن نغلق الورشة، حتى لو عملنا برأس المال".