حكايا: وسام.. يد من حرير وقدم من بلاتين!
رام الله – رايـة:
مجدولين زكارنة -
كان مذاق طعام والدته الشهي الذي لا يزال عالقا في رأسه كما رائحة الورد الجوري التي لا تخفى على أحد دافع الشيف " وسام العلي" دون ان يدري أو يفصح الى اتقان الطبخ وجعله وسيلة لكسب رزق تتهاوى به الظروف أحيانا وترتقي.
لم يكن وسام الذي يناديه أصحابه محبة بـ " وِس" طباخا ماهرا بشهادة رواد المطعم الذي يعمل به فحسب انما حاله كما الالاف من الفلسطينيين يحمل علامة خلّفها الاحتلال في جسده وما بين قدمه المصابة ويده الماهرة في اعداد ألذ الأطباق يكمن تحدي وسام امام صعوبة الحياة .
لم يتوقف الطاهي الماهر عن نشر النكات والاستظراف طيلة فترة المقابلة خفة ظل تتساوى مع خفة يده في طهي اطباقه الشهية .
أصيب وسام برصاص جنود الاحتلال قبل 9 أعوام خلال مظاهرة شارك فيها احتجاجا على استخدام جيش الاحتلال لقنابل الفسفور ضد أهالي قطاع غزة في عدوان عام 2008.
ويروي وسام "37 عاما" قصة اصابته لنا قائلا:" خرجت في مظاهرة برفقة عدد من طلاب جامعة بيرزيت احتجاجا على الارهاب والقتل الاسرائيلي اتجاه الغزيين حيث استخدم جيش الاحتلال لأول مرة قنابل الفسفور ضدهم وكان الشبان يلقون الحجارة على جنود الاحتلال الذين ردوا بالرصاص الحي أحدى الرصاصات اخترقت فخد رجلي اليمين وسببت لي شلل حركي في القدم وتهتك في عظم الفخد".
خضع وسام لعملية مستعجلة في أحدى مشافي رام الله ولم تكن ناجحة وسببت له مضاعفات وجلطتين في القدم، اما فترة العلاج التي استمرت لـ 10 ايام في المشفى ولم تنتهي به الا داخل جيب اسرائيلي اتى لاعتقاله بعد خروجه من المشفى بأسبوع واحد .
وسام قضى 56يوما داخل سجن عوفر وهناك خضع لعملية جراحية في قدمه كانت استكمالا لعلاجه الذي لم ينتهي الى الآن وتمنعه الظروف المادية من التوقف عن العمل لاتمامه.
لم تكن تجربة الاعتقال والاصابة هي الالم الكبير للطاهي الشاب انما فقدانه لمشروعه الخاص وزوجته الاولى التي لم تستطع تقبل الاصابة والوضع المادي المتردي بعد ان فقد مشروع مطعم كان قد انشأه مع صديق له، ذلك المشروع الذي لا زال وسام يدفع ثمنه لغاية اللحظة وبعد كل تلك السنوات التي مرت.
اما الإضراب المفتوح عن الطعام الذي يخوضه الاسرى داخل سجون الاحتلال فلم يغيب عن حديث وسام لا سيما انه أسير محرر قضى في خيم سجن عوفر و على كرسي متحرك شهرين تقريبا وعلى الرغم من أنه تخلى عن الكرسي المتحرك الا ان ذكريات الاسر لم تتخلى عنه ولا زالت خيمة الاعتصام التي يقيمها المتضامنون منذ 36 يوما والتي لا تبعد عن مكان عمله الا بضعة أمتار جاثمة مكانها تنتظر فرجا لا يبدو قريبا.
أمضى وسام طفولته في الكويت أما شبابه فقد كان في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين بالاردن بعد ان اضطرت عائلته لترك الكويت اثر حرب الخليج عام 1991 والاستقرار في الاردن، أما الآن فوسام في فلسطين وطنه الاصلي الذي لطالما كان يأتي اليه وتحديدا الى قريته عتيل قضاء طولكرم كزيارة فقط وكانت تتردد كلمات والده الى مسامعه دائما :" الواحد ما الو الا بلده".
درس وسام الطبخ في كلية القادسية بالاردن ولكنه لم يتعلم هناك الا نظريات واساسيات الطهي.
جال وسام العلي دول واماكن مختلفة وعمل بها وتعلم منها الكثير ولا زال يرى ان ممارسة الطبخ والجرأة في تجريب أطعمة مختلفة هي من تجعل من الطباخ طاهيا ماهرا يقول وسام:" لا يجب ان تخاف من تجربة اطباق ومذاقات جديدة واذا اعتقدت ان هذه الأطعام ستكون مناسبة معا فجربها ان لم تجرب فلن تبدع حتى وان لم تكن لذيذه فهي حتما ستفتح لك مجالا لابتكارات اخرى".
يضيف العلي: "لا تتقوقع على نفسك أبدا وتعلم من الاخرين، ان لا تكون ناجحا لوحدك هي احد اسرار ان تكون ناحجا اصلا".
يعمل وسام الان شيف في أحد مطاعم مدينة رام الله ويلقى تعليقات ترضيه نوعا ما عن اطباقه التي يقدمها اما عن امكانية فتح مشروع خاص به فهي غير ممكنة ابدا فهو لايزال يعاني من كابوس مطالبة مالية كبيرة تفوق كل ما يدخله شهريا الى جيبه.
معاناة الاصابة تزيد عندما يزداد ضعط العمل عند وسام وعدا ذلك فهو متعايش بشكل جيد معها.
داخل المكان الذي يعمل به وسام قابلناه ورأينا بأعيننا استمتاع زبائنه بالأطباق التي يقدمها وتعليقاتهم الايجابية لا سيما على طبق البطاطا المقلية التي يطلبها معظم الزبائن للذتها أما نحن فلم نفوت فرصة تناول طبق منها منكهه بالبهارات الحمراء اللذيذة.