مسنو نابلس..منسيون خلف الجدران
نابلس - راية:
سامر عودة-
لم تعد الحياة بالنسبة لهم أكثر من محطة انتظار طويلة، يجوبون أروقتها بنعل أحلام صدىء، سعادتهم لحظة تفر من الأصابع، وفي جيوبهم يخبئون بقايا ذكريات لهم مع أبناء وبنات أستثقلوا حملها وحملهم فألقوا بهم في بيوت رعاية المسنين.
عندما وصلنا دار المسنين في نابلس، تركزت الحدقات مرغمة على "الجد"، وهو ما سنناديه به حفظاً لخصوصيته، بدا وكأنه يجالس حزن العالم بأسره، يتخذ من إحدى زوايا الدار مستقراً بعيداً عن كل البقية، ويخفي بيديه دمعات عزيزة أبت إلا أن تفر من عينيه وهو يصف شوقه "من سنة ما زاروني ولا سمعت صوتهم، بديش فلوس ولا شي منهم بدي شوفتهم الي عندي بالدنيا كلها".
"الجد" ليس وحده في الدار التي يتقاسمها مع 16 مسن آخر، أما الدار التي باتت اليوم مأواهم بعدما ثقل حملهم على أبنائهم، فعبارة عن بيت قديم مترهل مكون من أربع غرف يتقاسمها المسنون مع غرفة معيشة تجمعهم وحمام واحد يشتركون جميعاً باستخدامه.
توفر الدار العديد من الخدمات الطبية، والغذائية والترفيهية، و "نحصل على اهتمام واحترام كل من يعمل في هذا البيت، ونحصل على كل شئ نحتاجه، لكنا نحتاج لشئ أكبر من الاهتمام والرعاية، بحاجة لحنان يثلج صدورنا ويدخل إليها الفرحة والسرور بعد معاناة مريرة تمثلت بغياب من نحب وفراقهم" يقول الجد.
تأسست دار المسنين في نابلس عام 1952، وهي فرع من فروع الهلال الأحمر الفلسطيني، يهدف الى ايواء المسنين الذين يتجاوز عمرهم 60 عاماً، والذين لا يوجد لهم معيل يهتم بهم من النواحي الاقتصادية والصحية والاجتماعية والترفيهية.
ويشترك أهل الدار بذات الهم "نعاني من الكثير من المشاكل وأهمها إهمال الأهالي والأبناء الذين تخلوا عنا بعد كل ما قدمناه في شبابنا لهم، فهم يرسلون الأموال كل فترة ولا يشاركوننا الأعياد والمناسبات، حتى أصبحنا نعاني من انفصام في الشخصية والاكتئاب الدائم اضافة الى الأمراض التي نعاني منها"، مؤكداً على الدور الكبير الذي تقوم به الإدارة والطاقم الطبي في البيت" قال مسن آخر.
بدورها تحدثت المرشدة الاجتماعية في الدار، ماجده الششتري ل"راية"، عن تفاصيل الأنشطة التي يقومون بها من أجل التخفيف على المسنين، والمنفذة من خلال العديد من الفعاليات والأنشطة الهادفة، مثل الاحتفال بالمناسبات والأعياد الرسمية، وأعياد ميلاد كل من يسكن البيت، اضافة الى تنفيذ امسيات رمضانيه لهم خارج المركز، وأخذهم رحلات على اماكن سياحية ومطاعم.
يعاني المسنون من العديد من الأمراض خاصة العضوية والنفسية منها، الأمر الذي يفرض صعوبة بالغة للقائمين على البيت نظرا لحالات الانفصام التي تحدث لهم، مما يستوجب توفر طاقم كامل من العاملين المختصين والممرضين للعناية بهم، لصعوبة العناية بهم من قبل شخص واحد.
ومن جهة أخرى بينت بداية كنعان، مديرة بيت المسنين، عن شروط قبول المسن حتى يصبح عضو بالبيت، " ان يكون عمر المسن تجاوز 60 عام، ولديه القدرة على دخول الحمام وقضاء حاجته بنفسه، اضافة الى انه يكون ساكن في بيت لوحده"، وأكدت على بذلهم جهود حثيثة لمحاولة دمج المسنين مع المجتمع المحلي من خلال العديد من الأنشطة، إضافة إلى المساهمة في جعلهم يشعرون أنهم ذو قيمة مجتمعية.
وفيما يتعلق بالنفقات المالية اضافت كنعان، " نحصل على رسوم رمزية من الذين يتمكنون من الدفع، ولا نأخذ من الذين ليس لديهم المقدرة المالية المستوجبة، ومؤخرا حصل تواصل بين البيت وزارة الشؤون الاجتماعية التي أصبحت تقدم الدعم المالي عن بعض المسنين الذين تنطبق عليهم شروط الوزارة".
لكن المشكلة تكمن في عدم كفاية المبالغ المالية المدفوعة من الأهل ومن وزارة الشؤون، حيث يدفع الأهالي قرابة 40-50 دينار شهريا عن كل شخص، بينما وزارة الشؤون تدفع ما يقارب 700 شيكل شهري، الأمر الذي يتطلب توفير مصدر آخر نظرا لارتفاع تكاليف معيشتهم، كحصولهم على تبرعات من أبواب الخير ومن جمعية الهلال الأحمر، لتوفير حياة كريمة تحضنهم، في ظل عدم تدخل الحكومة والمؤسسات المعنية، حيث يعمل في بيت المسنين طاقم وظيفي يتألف من 16 موظف يتناوبن في 3 شفتات.
وطالبت كنعان بالمساهمة بتوفير بيت جديد للمسنين، مناشدة بضرورة تقبل المجتمع لهذه الفئة وزيادة التواصل معهم، من قبل عائلاتهم او من قبل الجهات الاخرى.
ويقدم دار المسنين الخدمات الإيوائية من مأكل وملبس ومشرب والخدمات الطبية والصحية، وكذلك وجود طاقم طبي يتولون رعاية المسنين من الناحية الطبية و يقومون بالتنسيق مع مديرية الصحة لانتداب الأطباء للعمل على تطعيمهم من الانفلونزا سنوياً.
الممرضه خيلاء الشولي مدرسة في كلية ابن سينا:" نحرص دائما على المساهمة في تقديم الخدمات الطبية من خلال فرض برامج تدريبية ضمن مساقات عملية للطلبة في بيت المسنين، حيث نقدم لهم الخدمات الطبية ومرافقتهم لمراجعة المشفى وتسهيل التحويلات لهم، إضافة إلى تقديم الأدوية والعناية الطبية لمن يتواجد بالبيت.
ونوهت الشولي إلى عدم وجود توافق كبير بين المسنين بسبب العدد الكبير المتواجد في بيت صغير، اضافة الى الأمراض النفسية وحالات الاكتئاب التي يمرون بها.