الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:50 AM
الظهر 11:26 AM
العصر 2:17 PM
المغرب 4:42 PM
العشاء 6:01 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

بكرسيه المتحرك يرسم قصته!

جنين - راية:
سامر عودة-

بكرسيه الكهربائي المتحرك، وإرادته المطلقة، تغلب محمد سعيد محمود كايد(46 عاما)، من بلدة كفر راعي جنوب غرب مدينة جنين، على إعاقته ورسم نهج حياة ناجحة تكللت بالكثير من التضحيات، وخط طريق النجاح بالعلم والمثابرة، يصلي الصلوات الخمس بالمسجد داعيا مهللا وشاكرا لله الذي لم يخذله برهة واحدة.

إرادته أصلب من قضبان السجان، يقف على قمة الشموخ والكرامة، لم ينحني لإعاقته ولم يقبل الشفقة و المنة من أحد، شق طريقه بيده المسلحة بقوة منحها الله له، جعلت منه نموذجا ليس كغيره، تمرد على الواقع المرير بتفائله الجميل، دون النظر خلفه أبدا.

يجلس على كرسيه المتحرك، بابتسامته الفريدة قال محمد لراية، " ولدت بإعاقة ناتجة عن كبر سن والدتي وتأخري في تلقي العلاج الملائم، حسب ما وصف الاطباء لنا في مشفى بيت لحم، أحدثت لي"هشاشة"، و"ليونة" في عظام الأطراف السفلية من جسمي وخلل في بعض الغدد في الجسم، سببت لي ليونة في العظام وتكسرها وانا داخل بطن امي"

رغم إعاقته تمكن ملحم من ممارسة الحياة بشكل طبيعي، بين أهله وعائلته وبين سكان بلده، ولم يدخل مؤسسات رعاية خاصة(سوى ارساله من قبل والده إلى مركز الاميرة  بسمة بنت طلال في القدس للحصول على علاج طبي)، الأمر الذي ساعده  في الاندماج مع الحياة ومع الناس والتكليف مع الإعاقة والتعايش معها والاعتياد عليها كونها جزء من حياته، واعتبرتها محفر لنجاحه وتفوقه.

بدأ حياته بشكل مختلف عن أقرانه، يقول:" في بداية حياتي كنت العب مع الاطفال في "حوش" منزلنا، من خلال الزحف على الاقدام لعدم توافر عربة خاصة تنقلني وتسهل حركتي وعدم قدرتي على المشي كالبقية الأخرى، ومع مرور الوقت ذهب من بعمري للمدرسة وبقيت وحيدا حزينا بين جدران منزلنا، بسبب معارضة امي وخوفها من عدم تمكني من التكيف مع أجواء المدرسة لأنها غير معدة لذوي الإعاقة وعدم توفر من يقدم الخدمة لي ويساعدني فيها، وبعد تدخل عدد من الأقارب وطلبهم المتواصل وافقت امي، وجلبت لي عربة يدوية من وكالة الغوث تنقلني للمدرسة".

الحزن فارقه وابتعد، فكيف لا وحلمه بدأ بالتكرس والظهور، ليبدأ ملحم رسمه عبر دخوله  الصف الأول في بلدة كفر راعي متأخر ثلاث سنوات عن أبناء جيله، لكنه رفض الاستلام و تمكن من حفر اسمه في كل صف دخل فيه من خلال الحصول على المركز الأول في كل منها، " في البداية كانت معاناة بالنسبة لي نظرا لاستئجار المدرسة غرف بعيدة صعب الوصول اليها لعدم كفاية صفوفها، لكن عندما نظروا  لحالتي أعادوا الصف بأكمله للمدرسة،  التي بقيت فيها للصف العاشر الأساسي، وحضيت خلالها باهتمام المعلمين والطلبة بشكل كبير بسبب تفوقي الملحوظ".

ابتسامته سطرت وجهه دون سابق إنذار قائلا:"  في صباح كل يوم يطرقون باب بيتنا لمرافقتي للمدرسة بالعربة وفي ظهر كل يوم يتولوا مهمة اعادتي من المدرسة، ادركت حينها ان الله خص لي رعاية خاصة، الذي منحني خلة من الاصدقاء الأوفياء الذين حملوا هذه المسؤولية الكبيرة".

صعوبة جديدة ظهرت في طريق ملحم، لكنها لم تكن بمثابة العقبة التي تكسره وتحتي هامته، تفوق عليها وتركها خلفه للذكرى، فبعد انتهائه من المرحلة الأساسية، جبر للذهاب لبلدة عرابة في جنين لاستكمال المرحلة الثانوية التي لم تتوفر في مدرسته حينها،و درس  فيها سنتين  لم يتمكن خلالها من إنهاء مرحلة الثانوية العامة بسبب أوضاع الانتفاضة،  لكنه نهض من جديد وأعادها في المدرسة العربية في جنين بمعدل 89.1 بصفة الاول على الفرع الادبي حينها عام1994.

زرعت طريقة بالعديد من الأشواك، وسيجيت بسياج فولاذي محكم الاغلاق، لكن الإرادة كفيلة بنسف هذه العثرات وابعاده عن شخص حلمه أكبر من حجمها،"  اعتقد البعض أنني قد اهزم هنا وابتعد عن الكفاح واكتفى بالجلوس في غرفة مظلمة، شديدة السواد عندما بدأت مرحلة الجامعة،  لكن بعد حيرة طويلة توجهت لجامعة القدس المفتوحة في جنين التي كانت حديثة الافتتاح، حيث كان البناء غير مناسب بسبب وجود الإدراج وعدم فعاليتها لاستقطاب ذوي الإعاقة ومحدودي الحركة وقلة الخدمات والمواصلات فيها، ولم اكمل سوى فصل وحيد فيها ثم غادرتها وسط تحط حلم خط البعض طريق الفشل له".

حاول ملحم بعد انتهاء فترة القدس المفتوحة التوجه لجامعة بيرزيت التي حصل فيها على فرصة دراسة التجارة والاقتصاد، لكن بسبب عدم توافر السكن حينها لم يتمكن من الاستكمال.

كفر راعي من قرى محافظة جنين، وتبعد عنها 20 كيلو متر،  تشتهر بزراعة الزيتون والكرز(الذي يعد له مهرجان شعبي سنوي بالبلدة)،  واللوز والتين والجانرك،  وتنقسم إلى حارتين رئيسيتين: الحارة الشمالية والحارة الجنوبية.

الحروف لا تصف جمال روحه وقدر كفاحه ونجاحه، لا يمكن لأي كان اخماده فهو بركان هائج يشق طريقه دون الالتفات لأحد، "شعرت ان حلمي اندثر وامالي خابت بعد هذه المرحلة الصعبة، لكن الله لا ينسى عبدا مخلصا له، تعرفت على جمعية الشبان المسيحيين التي بدورها كانت بمثابة الفانوس السحري لي، المسؤولة عن تأهيل ذوي الإعاقة، ساعدوني في التسجيل في جامعة بيت لحم واستكمال تعليمي".

درس فيها بكالوريس علم اجتماع وعلم نفس، كانت حياته جميلة فيها، حصل على سكن في مخيم العزة في بيت لحم، مارس حياتي فيها بشكل اعتيادي كشخص مستقل، تمكن من اعداد الطعام وغسل الملابس وتنظيف السكن والذهاب لأي مكان أراد بإرادته وعزيمته، وحصل على عربة كهربائية من خلال مساعدة شابة اجنبية، تلك العربة أحدثت له نقلة نوعية ساعدته من الاعتماد على ذاته بشكل أكبر والاندماج مع الطلاب أكثر، وأنهى مرحلة البكالوريوس فيها.

لكنها تحولت في لحظة رمش العين إلى مرحلة صعبة في حياة ملحم، فكانت الانتفاضة في اعتابها، "عند بداية كل اسبوع نتوجه عند الساعة الثانية والنصف ليلا إلى بيت لحم لصعوبة الأوضاع، خلال مركبة قديمة تهري اجسادنا قبل الوصول، وعاصرت مرحلة حصار كنيسة بيت لحم التي أمضيت خلالها 21 يوم في السكن لوحدي، حزينا بائسا، مبعد عن الحياة وحنان امي وعائلتي، انام واصحى على صوت إطلاق النار والاشتباكات فكانت شبيه بالمعركة الطاحنة".

وسط منافسة شديدة وأجواء معقدة، أنهى ملحم المرحلة العليا من دراسته، وفي ظل عدم احتواء القانون على نصوص تكفل حقوق الحالات الخاصة حينها، تقدم بعدة طلبات توظيف لجهات مختلفة  دون الموافقة عليها، لكن الله أرسل إليه منحة من الامديست لاستكمال الماجستير في الجامعة الأردنية في عمان.

"هي مرحلة جديدة تكللت بالنجاح والتفوق أيضا، وكانت أقل صعوبة من التي سبقتها نظرا لعدم وجود الاحتلال البغيض وقربي سكني من الجامعة، وسكن اختي معي التي اهتمت بنواحي المنزل الداخلية والتي بدورها قللت من غربتي ووحدتي، و درست ماجستير علوم سياسية وتخرجت بدرجة امتياز عام 2007، وحصلت على سفره  للولايات المتحدة حينها بسبب تفوقي للحصول على المزيد من الدورات والدروس التقوية"

عدد سكان قريته تجاوز 10000 نسمة متواجدون في البلدة ، مساحتها حوالي 36 ألف دونم نصفها مغروس بالزيتون و 15 ألف دونم مغروسة باللوزيات، يوجد في البلدة 6 معاصر زيتون منها 4 معاصر حديثة، تشتهر أيضا بتربية الدواجن، تضم إحدى عشر عائلة هي : ملحم وعبيد والشيخ إبراهيم وصبيح ويحيى وذياب والجوابرة والاطرش ومرشد والصوالحة واليعاقبة.

وبعد  انتهاء مراحل التعليم الهامة تقدم لوزارة التربية والتعليم للعمل بها، "بواقع حلم طال انتظاره وآمال رسمت عبر سنين طوال، فكانت الموافقة على طلبي بمثابة الجنة بالنسبة لي، كيف لا وهي خيال رسمته عبر السنوات العجاف الماضية،  وتم تعيني مرشد تربوي في مدرسة كفر راعي الاساسية التي مازلت اعمل بها لغاية الآن، التي كيفت نفسها لاستقطابي وتسهيل حياتي بشكل أفضل".

ويطمح ملحم حاليا لاستكمال مرحلة دراسة الدكتوراة، لكن قلة الموارد المالية تعرقل حلمة الآخر، ويبحث عن الاستقرار الذاتي وبناء عائلة تدخل لي الطمأنينة والسكينة لنفسه، وحصل جائزة فلسطين للتميز والإبداع لفئة الحالات الخاصة لسنة 2012، وجائز مؤتمر الشباب الفلسطيني وتحديات الشباب الألفية والعديد من الجوائز والتكريمات الأخرى.

لأنه من المجتمع وحقه مفروض قبل الجميع، طالب ملحم من الجهات المختصة الالتفات لهذه الفئة بشكل أكبر، وتقديم التساهيل الحركية والتنقلات داخل المؤسسات، والالتفات لحاجتهم الصحية والإنسانية، وتقديم الارشاد للناس لتغير نظرتهم عن هذه الفئة وتقبل الامور بشكل افضل، ومنح الحالات الخاصة المؤهلة فرصة التوظيف، وتقديم محفزات ضربية للقطاع الخاص لتشغيلهم.

اخيرا" اناشد الحالات الخاصة بعدم استخدام إعاقتهم شماعة لكل شي، وعدم استغلالها بشكل غير صحيح، والاعتماد على أنفسهم بشكل أكبر وقدراتهم الذاتية والمهارية.

Loading...