مهرجان رام الله للرقص المعاصر ينطلق معلناً: وتستمر قصتنا
رام الله-راية:
تحت شعار «وتستمر قصتنا»، افتتح مهرجان رام الله للرقص المعاصر دورته الثانية عشرة، بالعرض الإرلندي الفلسطيني المشترك «أهلاً بالغريب»، على المسرح البلدي في المدينة.
يبدأ العرض بموسيقى حزينة، قبل ان تمتزج بغيرها أكثر صخباً ولكن من دون ان تختفي، وكأنه تنويع بين المعاناة والمآسي التي تعكسها أجساد الراقصين والراقصات من فلسطين وإرلندا، زحفاً ووقوفاً، وما بينهما.
وتزداد حدة الصخب على خلفية صورة مبانٍ مدمّرة بفعل الحرب، تصلح لأن تكون في غزة أو سورية أو العراق أو ليبيا، أو غيرها من الدول العربية، قبل العودة الى موسيقى حزينة تعطي انطباعاً ما بالترقب على خلفية جبال شبه خضراء، في رحلة هي الأصعب، هرباً من موت محقق عبر طريق مليئة بالجثث الطافية الى حيث النجاة المرتقبة، وكأن الراقصين «اللاجئين» في غرفة العمليات يخضعون لجراحة خطرة احتمالات نجاحها ضئيلة.
ووسط دندنات ترافق حركة الراقصين العابرين إلى حيث الأمان، متحدين وكأنهم ينشدون «سالمة يا سلامة» من دون المقطع الثاني، يتحدث فلسطيني من غزة، وعراقي، ومقدوني، وغيرهم عن رحلات الموت والوصول إلى إرلندا التي باتت وطنهم الذي شهد انصهار بعضهم، أو غالبيتهم، من دون أن يلغي ذلك الحنين إلى الأرض الأم التي لا تزال تنزف، ويتردد في أجوائها صراخ يصل إلى حد العويل.
ويتغير المشهد على المسرح، حيث تبدأ تحولات حيوات الراقصين والراقصات الذين يرمزون الى اللاجئين باتجاه الأفضل، وإن كانت المخرجة الإرلندية كاثرين يونغ لم تغير الصورة الخلفية التي ترمز إلى رحلة الموت، وهي إما سقطت سهواً، وإما كانت مقصودة لكون الرحلة لم تنته بالوصول إلى الأرض الحلم، وهي هنا إرلندا، فالعابرون إنما هم لاجئون ينتظرون العودة يوماً ما.
وتبدأ هذه التحولات بلقاءات رومنسية يحصل بعضها مصادفة بين مهاجرين غرباء أحدهم عن الآخر، وبعضها ينحو باتجاه أن يكون بداية حكاية حب جديدة. وتتعدد اللقاءات على رغم بعد المسافات بين يابسة تحترق، و «يابسة - حلم» تأبى للحظات الاقتراب، لتطل رقصات الأمل من بين ركام خلفه المهاجرون وراءهم، وكأنهم فراشات تسعى إلى الطيران في امتزاج موسيقي بديع ومشرق كألوان قمصان الراقصات ما بين أحمر وبرتقالي وأزرق وأصفر، قبل ان يبدأ النقر الإفريقي، وكأنها محطة استراحة في الطريق.
وهنا يبدأ التنويع في الرقص ما بين دبكة فلسطينية، ورقص إرلندي، وآخر أفريقي، إضافة إلى المعاصر. فالجميع في الهم شرق، او شرق وغرب في هذه الحالة، ليستعرض بعدها الراقصون الإرلنديون والفلسطينيون مهاراتهم في دبكة راقصي فرق سرية رام الله الأولى على وقع موسيقى القرب الإرلندية، وموسيقى غربية، وأخرى أفريقية، بينما يمارس الإرلنديون رقصاتهم الشعبية على وقع موسيقى فلسطينية تراثية، في مزج مبهر ما بين الرقص والموسيقى التي عزفها حية موسيقيون إرلنديون رافقهم الفلسطينيان سامر جرادات وحسين أبو الرب. وتستمر الدبكة بتنويعاتها، لتعكس شعار المهرجان و «تستمر قصتنا».
يقول مدير المهرجان خالد عليان: «تستمر قصتنا في المقاومة والصمود، وتستمر قصتنا في البقاء ونحن في ذكرى مئوية وعد بلفور، وعد من لا يملك لمن لا يتسحق. وتستمر قصتنا في الصمود على أرض فلسطين على رغم مرور سبعين عاماً على قرار التقسيم الذي مهّد لنكبتنا، وعلى رغم مرور خمسين سنة على الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس وقطاع غزة».
ويضيف: «تستمر قصتنا في المقاومة وبعد مرور ثلاثين سنة على الانتفاضة الشعبية الفلسطينية. تستمر قصتنا نحن الشعب الذي شرّد من أرضه، وقطعت أواصله، وحوصر في إطار نظام تمييز عنصري. ومع استمرار قصتنا تستمر رقصتنا، وقصيدتنا، ومسرحيتنا، وروايتنا، وهويتنا، كفعل مقاوم للاحتلال».