حكايا: "معركة الكرامة" بعيون أسير محرر!
نابلس - راية:
سامر عودة-
وهبته عائلته الحياة والسعادة، ولكن الاحتلال حرمه نصيبه من اسمه، إنه الأسير المحرر فادي سعادة، الذي كان خريجا يقبل على مستقبل مشرق قبل ان تسرقه عتمة سجن مجدو الاحتلالي.
لم يكن المستقبل العملي فقط ما ُسلب من سعادة، انما حرم من حنان ام كانت تنتظر ولدها ليبدأ كما أقرانه أولى خطوات حياته المهنية بعد التخرج.
الاسير المحرر فادي ماجد سعادة(32 عاما)، من مدينة نابلس، اعتقله الاحتلال يوم 31 اذار عام 2007 وأمضى في سجن مجدو العسكري عامين كاملين يقول:" تلك المشاعر المختلطة في داخلي بعد انتهائي من مرحلتي الجامعية وبحثي عن حالة من الاستقرار والراحة سرعان ما مزقتها ذكريات الاعتقال المريرة، التي أدخلتني مرحلة التحقيق مع الكثير من الضغوطات واستخدام ابشع وسائل التعذيب ضدي، دون ذنب اقترفته أو سبب مباشر لاعتقالي، فقط لاني فلسطيني نهج من النجاح والعلم طريقا له".
كلما هدات وتيرة الحياة قليلا يعود الى فادي مشهد اعتقاله ووجه أمه التي ظلت متمسكة بيده حتى انتزع الجندي منها اخر لمسة وزج بأحلامها المعلقة بولدها داخل "جيب عسكري مصفح".
يقول فادي: "عندما اتذكر ظروف اعتقالي فإنه يلوح بي المنظر المخيف لجنود الاحتلال وطريقة دخولهم لبيتنا في الظلام الدامس وعتمة الليل دون سابق إنذار، بطريقة همجية متمثلة بالعنف الشديد والتفتيش والإهانة لي ولاهلي، وهذا ما يعكس مدى خوفهم وحقدهم على ابناء شعبنا، خاصة في ظل اعتمادهم سياسة أن يتم الاعتقال غالباً في ساعات متأخرة من الليل".
هواجس كثيرة هُيأت لفادي قبل واثناء التحقيق كان سببها وعيد جنود الاحتلال باستهداف عائلته في حال لم يعترف بتهمة لم يرتكبها ويقول سعادة "كل شئ مباح في التحقيق مع الاسير، تهديد بالاعراض والتوعد بـ انتهاكها في حال رفضت الاستجابة لهم، فضلا عن الضرب غير المنتهي، والصراخ والشتم باقبح الالفاظ وارذلها، وبعد الانتهاء تم عزلي في زنزانة انفرادية موحشة قذرة "
وبالرغم من أن جسد سعادة حر طليق الا انه كلما جلس مع اسرته على المائدة لمعت في ذهنه صورة الطعام الرديء المقدم للأسرى والذي لا يمكن أن يكون مناسبا للبشر ويقول:" طعام الأسرى غير قابل للاستهلاك البشري ولكن يضطر الأسير إلى التكيف والتماشي مع الوضع القائم في سبيل نيل حريته وخدمة وطنه وشعبه، وفي ذلك علامة واضحة لانتهاك المواثيق والأعراف الدولية تجاه الأسرى".
ويروي سعاده لنا بعض تفاصيل الإضراب عن الطعام الذي خاضه وزملاؤه عندما كان في الأسر قائلا: " الإضرابات في سجون الاحتلال من أشد التجارب التي يمر بها الأسرى في سبيل نيل الحرية وتحقيق مطالبهم البسيطة والعادلة، فلا يمكن أن يكون الإنسان أسيراً ويحرم نفسه من الطعام، حيث لا يوجد شئ يدعو لذلك سوى ظروف قاسية جداً جعلته يرمي بنفسه للتهلكة والحرمان، حتى أن الأسير المضرب يبقى معزولاً عن الناس وعن الطعام ويكتفي بالماء والملح لكي يبقى فيه النفس فقط، موجها رسالة للاحتلال لن أبقى خاضعاً لإملاءاتك وسأبقى صامداً حتى أخرج من سجنك".
أما أنواع الإضرابات عن الطعام، فتختلف منها الإضراب المفتوح الذي يستمر فترة طويلة، ولا يتوقف الأسير عنه إلا في حالة تحقيق مطالبه، والإضراب الجزئي المحدود الذي يستمر لعدة أيام، لا يتناول الاسير فيها أي نوع من الطعام أو الفيتامينات. كما قال سعادة
لم ينسى سعادة الحياة في سجون الاحتلال التي وصفها بالقاسية جداً، خاصة فترة الإضراب عن الطعام ويقول:" تعتمد إدارة السجن على فرض خطوات عقابية لمن يضرب عن الطعام، ومن الأمور التي يتعرض لها نقله باستمرار من غرفة لغرفة ومن قسم لقسم ومن سجل لسجن لكي يبقى في حالة اضطراب وعدم استقرار، ووضعه في غرفة معزولة عن مايسمى حياة وإن كانت مسلوبة اصلا، وحرمانه من زيارات الأهل والأقرباء".
كان يحاول كبت مشاعره ولكن حشرجة في صوته وشت لنا بما في داخله عندما سألناه عن أوضاع الاسرى المرضى في سجون الاحتلال و أجاب سعادة:" لا يحصل الأسرى المرضى على علاج ملائم، وهذا يدل على استهانة الاحتلال بحياة الأسرى وأكبر دليل على ذلك الكثير من الأسرى الذين خاضوا إضراباً مفتوحاً عن الطعام كانت تصل حالتهم الى الموت ولا نرى من الاحتلال سوى تحويلهم للمحكمة وإجبارهم على تناول الطعام عن طريق المعدة بواسطة "بربيش" وهذا ما يعرض حياتهم للموت ، والاحتلال يعي ذلك ولكنه يصر على أسلوبه ، وكان كل مساء ياتي الطبيب الذي من المفروض أن يعالج الأسرى لكنه لا يعمل ذلك فلا يملك سوى حبة "اكمول"، حتى وإن كنت تعاني من السرطان فان العلاج هو الوصفة ذاتها".
لم يكن يتمنى سعادة في فترة سجنه سوى لمسة من كف أمه الحانية التي حرم من رؤيتها ستة أشهر منذ لحظة اعتقاله، وظلت هذه الامنية بعيدة المنال بسبب الحواجز الزجاجية التي تفصل الاسرى عن ذويهم عند الزيارة كل شهرين أو ثلاثة أشهر و لمرة واحده غالبا ما يتم الغاءها لأسباب مجهولة.
الآن ينظر سعادة الى معركة الاضراب التي يخوضها الاسرى داخل سجون الاحتلال بعين أسير سابق لم يتمكن، وبعد سنوات من الحريه، من نسيان تفاصيل تجربته الاعتقالية المختلطة بالألم والأمل معاً.