التنقيب عن الآثار يهدد حي "وادي حلوة" بالانهيار!
القدس المحتلة- رايــة:
فداء الرويضي-
"الحمام تكسر بشكل كامل، بيت الدرج هبط هبوطا كاملا، السور على وشك السقوط والبوابة كذلك، وبنحكي بنحكي لا أحد يسمعنا"، هكذا عبرت الحاجة مريم بشير قبل عامين لـ"رايـة" عن حال منزلها، فهو على وشك السقوط فوق رأسها، ولا جهة حركت ساكنا منذ سنوات.
خمسون منزلا في حي وادي حلوة ببلدة سلوان مهدد بالانهيار بسبب حفريات الاحتلال أسفلها ، والتي بدأت عام 2007، ففي هذا العام استيقظ الأهالي على صوت انهيار في الشارع الرئيسي، وحينها منع المستوطنون السكان من معرفة السبب، فتوجهوا الى المحكمة العليا، وتمكنوا من استصدار أمر احترازي لوقف العمل أسفل منازلهم لمدة 14 شهرا، بعدها أصدرت المحكمة قرارا يسمح للجهات الإسرائيلية بمزاولة أعمال الحفر بشرط عدم تشكيل أية خطورة على حياة السكان، لكن ذلك لم يحصل، وما يحدث في الحي هو عمليات حفر وشق متواصل دون الأخذ بعين الاعتبار سلامة السكان.
وعادت الحفريات عام 2009 وهي مستمرة إلى اليوم، تتجمع الأنفاق في ساحة باب المغاربة ثم تتوزع باتجاه حائط البراق، فسلطة الآثار منحت جمعية العاد الاستيطانية الإشراف على هذه الحفريات، التي جعلت البيوت وكأنها تعرضت لزلزال، والجدران باتت بالكاد تشكل بيتنا، وحياة السكان مهددة في أية لحظة، بل إنها أيضا تخفي في طريقها الآثار الإسلامية والمسيحية القديمة، فدمروا مقبرة عباسية وأخفيت آثارها بالكامل.
جاء الدور اليوم على عائلة عويضة، حيث اتسعت التشققات في منازلهم بشكل ملحوظ خلال الثلاثة أيام الماضية، وبات السكن في هذه المنازل يشكل خطرا على حياة 16 فردا بينهم عشرة أطفال.
بلدية الاحتلال أصدرت قرارات مستعجلة تقضي بإخلاء هذه المنازل لشدة خطورتها على السكان، واعتبرتها "مبان خطرة"، وكعادتها تجاهلت الحفريات التي تعتبر السبب الأول والأخير في وجود هذه التشققات التي اتسعت عبر السنوات لتصبح منازل عويصة بهذا الحال.
تقول خديجة عويضة مالكة أحد المنازل المتضررة، والتي تقطنه منذ ٥٠ عاما:" أصوات الحفريات باتت تسمع بشكل واضح على مدار اليوم، من الساعة السادسة صباحا حتى الحادية عشر ليلا، حال الأطفال في المنزل أصبح صعبا للغاية، فلا هدوء موفر لهم ولو لدقائق قليلة".
وتضيف: "بدأت أجزاء من الجدران تتساقط على الغاز حين كانت ابنتي تعد الغذاء، منظر المنزل وكأنه تعرض لزلزال، جاءت طواقم من بلدية الاحتلال وأغلقت المنزل، دون أن يفعلوا أي شيء آخر، أصبحنا في الشارع الآن، ولا قدرة لنا على استئجار منزل، فالظروف المادية صعبة، إن بقينا في المنزل سينهار فوق رؤوسنا، وان رحلنا نخاف أن يستولي المستوطنون عليه أثناء غيابنا، فلا ندري ماذا نفعل، أو إلى أين نذهب؟".
سمير رويضي من لجنة حي وادي حلوة ذهب في جولة إلى هذه الأنفاق أسفل الأرض ويصفها بأنها تخريبية: " وصلت إلى مكان أعلى من شبكة الأنفاق، فوجدتها شبكات مفتوحة على عدة مراحل وعدة مداخل تؤدي إلى أخرى، فهم يحفرون من مكان ويخرجون الأتربة فيصبح أسفل منازل السكان فارغا، ثم يترك العمال المكان كما هو ويبدأون بالحفر في مكان آخر، مما يدلل على أن ما يحدث من حفر أسفل منازل اسكان عملية تخريب".
أما المحامي سامي ارشيد فيقول: "تبين اليوم أن منزل عائلة عويضة تعرض لأضرار جسيمة، فأساساته هبطت، وذلك بسبب الحفريات التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية أسفل المنازل بوادي حلوة، من ناحية قانونية سيكون تحركنا بالأيام المقبلة بالتوجه الى المحكمة لطلب اصدار قرارات توقف أعمال الحفر، ومطالبة جميع السلطات بما فيها بلدية القدس والسلطات المسؤولة الأخرى باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لكفالة سلامة المواطنين وسلامة عقاراتهم".
في المقابل فإن عروضا مالية ضخمة تقدم لأصحاب هذه المنازل للتنازل عنها تصل إلى ملايين الدولارات، لكنهم صامدون أمام هذه الهجمة الاستيطانية رغم ما يحصل وسيحصل، وكانت "رايـة" قد سلطت الضوء قبل عامين على معاناة أصحاب المنازل المتضررة، فقالت الحاجة مريم بشير وهي مالكة منزل متضرر من الحفريات: "قطنت منزلي هذا منذ عام 1965، وقبل سنتين من اليوم بدأت بسماع أصوات الحفريات، لم أصدق الأمر في البداية، فمنزلي بعيد نسبيا عنها، لدرجة أنني ظننت هذه الأصوات سببها اهتزازات من الحديد، وأحضرت عمالا لفحص ذلك، حتى سقط الباب الحجري "الباب الرئيسي" علما أن سمكه كبير جدا، حينها أيقنت أن الحفريات بدأت تحت منزلي وحوله".
بجانب الحاجة مريم يسكن سليمان عويضة، ولا يختلف الوضع في منزله، فالتشققات في كل مكان بالمنزل، وبعضا من البلاط مدمر، يقول سليمان:" لدي 4 أولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة، أخاف أن يسقط السور عليهم، فهم لا يملكون الوعي الكافي لإنقاذ أنفسهم، كذلك فلا أستطيع أن أوفر لهم التدفئة اللازمة، فالبيت من شدة التشققات بات في حالة رطوبة دائمة".
تشاركهم المعاناة هدى صيام قائلة: "ثلاث سنوات وأنا أعاني من مشكلة الحفريات، ابني عمره 14 عاما وابنتي في الجامعة، لم يعودوا يستخدموا غرفتهم من شدة التشققات داخلها، يخافون من سقوط السقف، بنيت لهم في وسط المنزل غرفة من الجبصين، وفي الشتاء ينزل المطر الى داخل المنزل".
أما فؤاد صيام مالك محل تجاري بالقرب من الحفريات مباشرة يقول: "بفصل الشتاء تفسد البضائع من شدة الماء الذي يدخل المحل من التشققات في سقفه، لم أعد أعمل كالسابق، فالناس باتت خائفة من الاقتراب من المحل، بعد أن هبطت الأرض مقابله".
يضيف صيام: "المشكلة الأكبر في الفترة الأخيرة تزايد عدد العمال الذين يشاركون بحفر الأنفاق، فلكل عامل سيارة، يقوموا بركنها أمام المحل، فيغطوا بابه، وأحيانا آخرى يقفوا في نصف الشارع ويغلقوا الطريق بالشاحنات المحملة بالأتربة، ما يخلق أزمة خانقة".
هؤلاء السكان بالكاد يعتاشون من قوت يومهم ولا يستطيعون ترميم كل هذه الأضرار الناجمة عن الحفريات، فتقول الحاجة مريم: "لا نستطيع إصلاح الأضرار، هذا أكثر من طاقتنا، أستطيع أن أوفر كل شهر تقريبا 500 شيكل، لكني لا أستطيع أن أدفعها كل يوم لعامل مختلف ليصلح كل ضرر ينجم عن الحفريات".
يتفق معها سليمان عويضة العاطل عن العمل منذ أشهر، فيقول: "ليس بمقدوري أن أعمر منزلي لوحدي، لدي 4 أولاد من ذوي الاحياجات الخاصة، وبالكاد أوفر مصروفهم".
وكذلك الحال بالنسبة لهدى التي تقول: "ابنتي بالجامعة، ومصاريف الجامعة عالية الثمن، وبالكاد أوفرها، وأنا أرملة، لا أملك أموالا لأستصلح بها".