سر المنتجع الأثري على جبل المنطار
طولكرم- رايــة:
سامر عودة-
"لا يبق في الواد غير حجارته".. هذا كل ما كان يحتل تفكيري فيما نقترب رويداً من جبل المنطار، في الشمال الشرقي لطولكرم.
هيبة المكان فرضت نفسها بقوة على كل من كان بالسيارة، فعم الصمت ليبدأ صخب من نوع مختلف، تختلقه نظارات العيون المتلفتة على هذا الجبل العصي.
جبل المنطار، الذي يقع جنوب قرية بلعا، اكتسب رونقاً معمارياً مختلفاً باختلاف المراحل والمعارك والحروب التي مرت على المكان منذ "معركة بلعا الأولى" عام 1936 وحتى اليوم حيث تحاول إسرائيل ابتلاعه باستيطانها لكنه ما زال عصياً ..إلا على أبو جيفارا.
رجل سبعيني وثق الزمن مروره واضحاً على ملامح وجهه الطيبة، يحفظ تفاصيل المكان عن ظهر قلب ويستعين بتاريخ المنطقة في كل تفصيل، وبفطنة "أهل زمان" قرر بسام بدران، أبو جيفارا أن يحمي الجبل من محاولات سرقته المستمرة فبدأ مشروع من نوع مختلف جمع بين السياحة والتوثيق التأريخي.
يجلس أبو جيفارا قبالة الساحل الفلسطيني، وكطفل فرح بلقاء من يحب، لا يستطيع العجوز أن يخفي ابتسامة تلون وجهه كلما سرحت نظراته في الأفق "منذ الصغر وأنا أحلم ببناء منتجع يحتوي على أشكال تراثية ومعالم اثرية تكرس روعة تراثنا الاصيل، وبدأت الفكرة بالرسوخ بمخيلتي بعد محاولات الاحتلال العديدة للسيطرة على الجبل، وتمكنت من شراء قطعة ارض بمساحة 14 الف متر مربع، أقمت عليها العديد من الاشكال والمناظر الخلابة، إضافة لعمل ثلاثة متاحف احتوت على ما يزيد 3500 قطعة اثرية، ومكان هادئ لجلوس العائلات تحت ظلال العديد من الاشجار الجميلة".
منذ عام 1972 بدأ أبو جيفارا بجمع القطع الأثرية، التي رسخها بفكرة إنشاء منتجع سياحي اثري كلفه مايقارب 3.5 مليون دولار، ويعبر أبو جيفارا عن أسفه لعدم تنفيذ مشروع تأهيل الطريق التي تمكن الزوار من الوصول للمنتجع رغم حصوله على موافقة تنفيذ من رئيس الوزراء السابق سلام فياض.
انزل نظارته الطبية فجأة وتحدث بنبرة غاضبة و بلهجة سريعة، "المحاولات الاسرائيلية ما زالت قائمة لغاية الآن وهذا الأمر يشكل تحدي يجب علينا المباشرة بمحاربته والقضاء عليه، ففي العام المنصرم حضر للجبل ما يزيد عن 70 مستوطنا، ودفعة أخرى في هذا العام".
ويبدو أن زيارتنا فجرت في قلب الرجل "حكايا أيام زمان وناس زمان"، وبتوصية من أبو جيفارا، انطلقنا نحو قرية بلعا نبحث عن سبعيني آخر نعمان شحرور، أبو التاريخ كما يحلو لأهل القرية تسميته وما أن بدأ بالحديث حتى فهمنا سبب هذا اللقب.
" كان جبل المنطار أحد مسارح ثورة عام 1936 الكبرى الأهم،التي كان من اسبابها ان الانجليز باشروا بتنفيذ وعد بلفور منذ انتدابهم لفلسطين، وعملوا على الانحياز الكامل للصهاينة ضد المواطنين الأصليين، وفتحوا باب الهجرة بشكل كامل أمام اليهود، وسمحوا لهم بالتسليح وسربوا إليهم الكثير من الأراضي بطرق التزوير وغيرها، مما جعل الفلسطينيين يعلمون ان بريطانيا هي سر الداء والدواء".
كان "أبو التاريخ" يجلس بزاوية غرفة كبيرة فيما تحيط به الكتب من كل الجهات، وفيما يتحدث المعلم، لا نشعر بأنا بحاجة للتأكد من المعلومات، فالكتب المحيطة بنا من كل جانب تفرض مصداقية غريبة على كل ما يقول الرجل.
ويكمل لنا شحرور تفاصيل الثورة وسببها المباشر، فكان اكتشاف العمال العرب في يافا براميل محملة بالأسلحة متجهة لأحد التجار اليهود، فأدرك العرب أن هناك مؤامرة بين اليهود والحكومة البريطانية، فثارت ثائرتهم وبدأت مرحلة تسمى الإضراب الكبير الذي استمر 178 يوم، أعقبه العصيان المدني ومن ثم الثورة المسلحة، التي كانت تجتاح كل فلسطينيين، و كان من أبرز مسارحها جبل المنطار ومنطقة لية بلعا، بسبب اتخاذ الثوار لهذا الجبل كمركز للثورة لأنه يقع بمنطقة الشمال الشرقي من مدينة طولكرم والى الجنوب من بلعا والذي يتبع بلعا، والمطل بشكل مباشر على الشارع الواصل بين طولكرم ونابلس، وعلى المنعطف الحاد المسمى (لية بلعا)، وكون الجبل يتحكم بهذا المنعطف الاستراتيجي الذي يمكن الثوار من عمل كمائن استراتيجية للدوريات الانجليزية، وعدم وجود طريق يربط بين تل الربيع وحيفا، حيث انهم كانوا يستخدموا طريق طولكرم ودير شرف ثم إلى حيفا.
يحمل شحرور شخصية محبوبة لها رونق تاريخي خاص حيث يقدم العديد من المحاضرات بشأن التعريف بتاريخ القضية الفلسطينية بحقبها المختلفة.
ويضيف "خاض الثوار معركة بلعا الأولى حينها، التي ضمت العشرات من الثوار المستحكمين بخنادق ما زالت موجودة لغاية الآن على سفح الجبل الجنوبي، حيث تمركز مجموعة منهم على الحبل و القسم الآخر بمخيم نور شمس لتسكير الطريق بعد دخول الدوريات الإنجليز ، ومن ثم دارت المعارك، التي ذهب ضحيتها العديد من الجنود الإنجليز والفدائيين العرب، وكان من أبرز قادة المعركة فوزي القاوقجي المتطوع القادم من سوريا، والقائد عبد الرحيم الحاج محمد، ومحمد الاسمر وغيرهم".