سيلون..الإرث المسروق
نابلس- راية:
سامر عودة-
أمام مشهد يكاد ينطق لجماله، يجلس مضيفنا الستيني في غرفة قديمة يقطع أسراب الذكرى اللئيمة، ففي ذاكرته العتيقة مشهد قاس لا ينفك يخرجه من حالة التأمل..ويجبره على استحضار تلك اللحظة التي اغتصبت فيها أرضه في خربة سيلون، الواقعة ضمن أراضي قريوت الجنوبية، أمام عينيه وحرم من دخول مسقط رأسه بقرار من دائرة الأثار الصهيونية التي تمهد كما يقول أبو نجم لتحويلها إلى منطقة عسكرية تابعة لمستوطنة شيلو المقامة على أراضي القرية.
"اذكر تفاصيلها جيداً بالرغم من طيلة فترة غيابي عنها، ولم اعتد حتى يومنا هذا على نمط حياتي الجديدة رغم طول فترة تهجيري من الخربة، فلقد ولدت بين اعشابها في موسم حصاد الأرض، ولعبت بين ثنايا أشجارها وحفرت اسمي على جدران كنائسها القديمة، وعشت اجمل ايام طفولتي فيها"، يقول أبو نجم .
خربة سيلون منطقة أثرية قديمة غنية بكنوز معمارية تعود لحضارات عدة سكنتها منذ القدم، وتضم سيلون الكثير من المعالم الأثرية أهمها: المسجد العمري منذ عام 1988 ومسجد الستين، و كنيستين من الفسيفساء، اضافة الى العديد من البيوت الصغيرة و القبور المحفورة داخل الصخور، وبركة كبيرة لجمع المياه المستخدمة في ري المزروعات، واخيرا منطقة تسمى"الميدة" وهي حسب ما يرويه كبار السن بالبلدة، المكان الذي نزلت فيه المائدة على سيدنا عيسى.
اتخذ سكان قريوت فلاحة الأرض وزراعتها مصدرا للرزق، وخاصة زراعة خربة سيلون التي كانت تشكل نسبة كبيرة من أراضي القرية الخصبة، واعتمد ابونجم كغيره من سكان القرية على فلاحة ارض الخربة التي شكلت نسبة 60 دونم من مجمل أرضه بالقرية، قبل مصادرتها وتحويلها لمنطقة تنقيب إسرائيلية تابعة لدائرة الآثار الصهيونية، كما أنشئ مقهاً شعبيا بالخربة لتلبية احتياجات السياح القادمين إليها من مختلف دول العالم.
ويروي أبو نجم الطريقة الخفية التي اتخذتها حكومة الاحتلال ووزارة الآثار الاسرائيلية للسيطرة على خربة سيلون،" في بداية الأمر قدم الينا شخص اسمه" شمنت" يدعي انه من الدنمارك، (تبين لاحقا انه يهودي من أصل دنماركي)، برفقة مجموعة من علماء الآثار، وقاموا بإنشاء عدة خيام بالخربة بحجة التنقيب عن الآثار بالخربة والرحيل بعد فترة قصيرة، وتم اقناع اهل البلدة بالتوقيع على ورقة احتوت على تنازلهم عن أربعة دونمات من مساحة الخربة التي بلغت 330 دونم، ولكن الاحتلال لم يكتفي بالسيطرة على الدونمات الأربعة، وإنما استولى على الخربة بأكملها.
ويؤكد منسق اللجنة الشعبية لمقاومة الاستيطان في قرية قريوت بشار القريوتي، على خطط الاحتلال الهادفة لتحويل الخربة وما يحيط بها الى منطقة اسرائيلية بشكل اولي، ومن ثم دمجها مع مستوطنة"شيلو"، وهذا ما تعمل عليه حكومة الاحتلال حاليا حيث قامت بإغلاق الطريق الرئيسية التي تصل مدينة رام الله بقريوت، منوها الى ان الخربة تسرق بحجج واهية هادفة الى طمس المعالم الفلسطينية فيها وادعائها بأنها المكان الأول الذي بني فيها هيكل سليمان قبل نقله إلى القدس، ومحاولة فصل شمال الضفة عن جنوبها، حيث تقع قريوت في منتصف الضفة الغربية.
ويضيف القريوتي" بدأت أعمال الحفر في المنطقة عام 2010، وتم إنشاء برج سينمائي بالخربة عام 2013 ليحدث الزوار الأجانب واليهود عن القصة المزورة لليهود الذين سكنوا سيلون منذ القدم، ويكمل حاول الاحتلال الترويج لسيلون بشتى الأساليب والطرق عن طريق تنظيم فعاليات رياضية بشكل سنوي بالخربة، وعمل رحل سياحية ومدرسية إليها تحت حماية جنود الاحتلال، اضافة الى السماح للمستوطنين بدخولها والاعتداء على سكان البلدة بشكل مستمر".
وفيما يتعلق بالمتابعة القانونية التي ينهجها اصحاب الاراضي المصادرة وسكان القرية ينوه القريوتي إلى توجههم إلى عدة مؤسسات قانونية وحكومية لملاحقة الاحتلال واستعادة الأرض المسروقة، وتمكن الأهالي مؤخرا من تحقيق إنجاز ملموس تمثل بقرار من المحكمة الإسرائيلية الصادر في 14 من شهر أيار لعام 2014، والقاضي بإلزام المستعمرين بوقف العمل في أعمال الحفر والتنقيب في منطقة " سيلون" الأثرية، لكن غطرسة الاحتلال ومستوطنيه لم تلزمهم بقرار المحكمة واستمروا بأعمال الحفر والتنقيب ليومنا هذا.