حكايا: أم محمد..بائعة الأمل
رام الله-راية:
مجدولين زكارنة-
من الارض بدأت قصتها وفي الأرض كتبت نهاية مفتوحة لها.. ذاتها الارض التي كانت سندا وعزا لها أصبحت سببا لجلوسها هنا على رصيف حسبة رام الله.
"سبانخ احلى من الورد" هكذا كانت تروج لبضاعتها بصوت مرهق دلت عليه حبوب الدواء التي أخرجتها من جيب ثوبها الفلسطيني المطرز.. أم محمد إمراة ستينية تجلس على رصيف شارع حسبة رام الله تبيع خضار الشتاء المتنوعة .
في البداية، عندما قابلناها لاول مرة، رفضت الاجابة عن اسئلتنا وبيدها صارت تلوح لنا لنبتعد عن بسطتها المليئة بالخضراوات.
إصرارنا على الحديث معها دفعها للبوح بقصتها التي آلت بها الى رصيف الحسبة تبيع الخضار.
كان الشجر قد كبر واثمر وحان موسم القطاف حين سيج الاحتلال أرضنا " 65 دونما " ومنعنا من زراعتها والدخول اليها الى الأبد، حينها لم يستوعب زوجي ماحدث ففقد عقله وجُن .
كانت الارض شريان الحياة لاسرة ام محمد تحوي كل ما لذ وطاب من خضروات وفواكة كبرت على يد زوجها كما أولاده.
" لم نكن بحاجة الى شراء الخضروات والفواكة كنا نحقق كفايتنا وزيادة منها" تقول ام محمد .
بعد مصادرة الأرض ساءت حالة زوجها وتوفي.." أولادي كانوا صغارا اضطررت لاعالتهم والعمل في بيع الخضار".
تشتري ام محمد الخضروات؛ مثل الفجل والبصل السبانخ والجرجير وورق اللسان من مزارعي بيت لقيا القريبة من قريتها شقبا قضاء رام الله، ومع بلوغ السادسة صباحا تكون قد فرشت بضاعتها ليبدا نهارا جديدا من العمل، يتخلله أحيانا ازالة لبسطتها من المكان بامر من عمال البلدية.
"كنت بنت عز ودلال في بيت جوزي"تقول أم محمد بفخر مستذكرة تلك الفترة التي سبقت مصادرة إسرائيل لأرضهم، ولم يكن سلب الارض جريمة الاحتلال الاولى بحقها، فقد سبق ذلك تهجيرها من مدينة اللد المحتلة التي سكنتها برفقة عائلتها.
"في بيت جدي المختار، بيت العز والكرم كنا نسكن جميعا، اثني عشر عائلة في بيت واحد: الهوا هوانا والسما سمانا والرب أعلانا، حتى سلم"النكليز" -كما تلفظها – فلسطين لليهود" تقول العجوز وهي تخفي بضعة خصل من شعرها تحت منديلها، وتزيد "هذول اليهود لاهوا إلهم ولا ارض ولا عرض و لاشيء لهم في فلسطين أخذوا ارض جدي وارض زوجي ولكن الشكوى لغير الله مذلة".
وعلى الرغم من ان اولادها جميعا تزوجوا ولهوا عنها بالبحث عن رزق اولادهم الا انها لا تفضل البقاء في البيت، و من جيبها تسد حاجاتها.
وبهذا المثل الشعبي استعانت لتجيب على سؤالنا بإصرارها على العمل هنا "صبرك على حالك ولا صبر الناس عليك".
قاطع حديثها أحد الزبائن الذي كان يتفقد باقات النعنع التي تعرضها ام محمد في كيس شفاف يظهر اخضرار النعنع من خلاله.. الزبون وبعد ان نال النعنع استحسانه قابلها ببضعة شواقل الا ان ام محمد لاحقته بجملة ترويجية قائلة "احلى من النعنع الميرمية وبتمسك الباطنية" كناية عن فائدتها الصحية بعلاج المغص.
وفي مدينة رام الله التي تشير خرائطها الجوية الى موعد مع منخفضات متتالية في الايام القادمة، فإن ام محمد تستعد للمنخفض بملابس ثقيلة وحرامات تلفها حول جسدها اضافة الى مظلة قماشية تعتلي بسطتها.
رصيف حسبة رام الله، رصيف مليء بالحكايا والقصص لنساء يبعن لك الامل قبل الخضار.. يتمسكن بتلابيب الحياة ما استطعن اليها سبيلا