في الطريق الى "المسكوبية"
القدس المحتلة- رايــة:
فداء الرويضي-
الواحدة، الثانية، الثالثة فجرا ولا مكان للنوم في أعينها، تنظر تارة الى ابنتها سيدرا "7 سنوات" التي كانت تحتضنها بقوة بيديها الصغيرتين، وكأنها المرة الأخيرة التي ستنام فيها بجانبها، بل انها الأخيرة فعلا، وتارة أخرى تحدق بإبنها سامر "18 عاما" الذي قضى الليلة الباردة في شرفة المنزل، حتى يتجنب كل أنواع الوداع، أما ابنها فادي "16 عاما" فتظاهر بأنه نائم طوال الليل، وباسل "14 عاما" هو من ذوي الاحتياجات الخاصة، قدراته العقلية باتت محدودة بعد أن تعرض لحادث سير قبل سنوات، لطاما تسائل عما يحدث دون أن يحصل على إجابة.
الليلة الأصعب
شفاء الشلودي "37 عاما" أم هؤلاء الأطفال الذين قضوا الليلة الأصعب عليهم جميعا، كيف لا، وأمهم ستغيب عن المنزل سبعة أشهر، ستسلم نفسها الى سجن المسكوبية، لتعيش خلف القضبان في معتقل لا يرحم، ويعيشوا هم في منزل لا أم فيه ولا اب، فالاخير متزوج من أخرى.

"الاعتداء على شرطي، والتواجد غير القانوني في القدس" هذه كانت تهمة شفاء التي ستقضي أيامها المقبلة في المعتقل بسببها، بعد أن قضت 11 شهرا داخل حبس منزلي.
بداية الحكاية .. قبل عام
يدأت الحكاية بتاريخ 21/10/2015 حين استيقظت شفاء على أصوات المواجهات في سلوان، لتجد ابنها فادي على باب المنزل والحجارة تغطي الطريق، بدأت بإعطائه الحجارة ليلقي بها بعيدا عن المكان، حينها كانت عدسة كاميرا يحملها الجندي تصورهم من بعيد، اعتقلوا فادي وشفاء، أفرج عن فادي بعد أيام وقضت شفاء في الأسر أربعين يوما بعد رحلة تحقيق مذلة، كانت راية قد سلطت الضوء عليها.

"وكأنه كابوس"
بعد عام وشهر من ذلك، أي ما قبل أيام، استيقظت شفاء لتوضب بعضا من ملابسها، سامر خرج منذ أن أشرقت الشمس، باسل ذهب الى المدرسة، وفادي تظاهر بالنوم، أما أصغرهم سيدرا فأصرت على المجيء مع والدتها الى سجن المسكوبية، غابت سيدرا عن المدرسة، وبقيت ملاصقة لأمها في كل خطوة، في هذه الأثناء وقبل أن تخرج من البيت بلحظات لم تقوى شفاء على الكلام، اكتفت بإسقاط الدموع التي لم تجف منذ عام، واختصرت ما تشعر به في جملة واحدة: "أشعر وكأنني في كابوس لا ينتهي".
شفاء، أمها، أم زوجها، وسيدرا يجلسون في الغرفة قبل لحظات من خروج شفاء، صمت ودموع وخوف من القادم يعم المكان، جرس الهاتف يقطع الصمت، المحامي يخبر شفاء بأن الموعد قد حان لتسلم نفسها، تخرج من البيت الذي لن تعود اليه، حتى بعد خروجها من السجن ستبعد شفاء الى الضفة الغربية، تودع شفاء أمها بحرقة وأم زوجها وتخرج مع سيدرا دون أن تلتفت خلفها، تودع جيرانها وتدخل كافة بيوت البناية.

"ماما أنا بحبك، وعد راح أدرس"
في الطريق الى المسكوبية لم تكف شفاء عن البكاء، تنظر اليها سيدرا وتبكي هي الأخرى، تسقط دموعها على رسالة تكتبها لأمها في الطريق: "ماما أنا بحبك، وعد راح أدرس.. اذا بتعيطي بعيط، وإذا بتكونيش قوية ما بكون قوية، مش انتي قلتيلي لازم تكوني قوية" هذا ما قالته سيدرا لأمها قبل أن تترك يدها لتسلم نفسها الى المعتقل.

