ازاد شمس يسير عكس التيار
رام الله-راية:
محمود سهيل
هي الحاجة، أم الاختراع وابنتها في آن معاً، وهي أيضاً التي أطلقت الفكرة في رأس أزاد شمس، ابن مدينة الرملة الذي ترك مدينته وسكن بلدة بيرزيت وفي المخيلة دراسة الهندسة المعمارية..لكن القدر كان يخفي له شيئاً آخر..
"النوم على الارض كان يرهقني، ولم أكن أملك ثمن سرير" قال أزاد وقد شخص ببصره وكأنه يحاول استحضار تلك الذكرى البعيدة من دهاليز ذاكرته وما أن يجد طرفها حتى يستطرد بالحديث: خرجت الى الشارع وجمعت منصات خشبية كانت تستخدم في نقل البضائع وصنعت منها سريري الخاص واخذت اطور عليه شيئاً فشيئاً ،مرة اصنع له أقداماً ترفعه عن الأرض ومرة اطلي خشبه بألواني المفضلة، ومرة أزينه بقطع تجميلية..مع الوقت أصبح هذا السرير يعني لي أكثر من مجرد قطعة أثاث رخيصة، يقول أزاد وقد بدا عليه الفخر لا أعلم إن كان بسبب سريره أم تمكنه من إعادة تجسيد تلك اللحظة بالكلمات.
هكذا نمت فكرة اعادة تدوير المنصات الخشبية في عقل الشاب الذي دفعته "هذه الفكرة المجنونة" كما يحب أن يسميها، لتغيير تخصصه ودراسة التجارة "انا اجتماعي بطبعي واعتقدت ان الهندسة سوف تقيدني في حياتي، مع ان الهندسة قد تفيدني في صنع الاثاث الان لكني سعيد جدا وغير نادم على ذلك".
قدم استقالته لينشر الخشب
ولم تكن درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، أو حتى الوظيفة التي تمكن من شغلها مع الأمم المتحدة كخبير في تطوير المشاريع الصغيرة، ويحلم بها أقرانه لسنوات، كافية على ما يبدو لإرضاء أزاد الذي ترك كل هذا خلفه ومضى نحو هوايته "يمكن يحكوا عني اهبل وغبي عشان تركت وظيفة مهمة بمجال دراستي بس انا سعيد جدا بهوايتي" . لم يعتمد شمس فقط على هوايته في تحويل الخشب الى اثاث بل استخدم خبرته السابقة من دراسته في مجال التجارة لتسويق منتجاته الفنية فدراسة 4 سنوات في الجامعة لم تذهب سدى كما قال.
كان قد أسس أزاد خلال فترة عمله البسيطة مع الأمم المتحدة "مجموعة قوارب للعمل التطوعي" مع مجموعة من زملائه لغوث المنكوبين من الغزيين بعد الحرب الإسرائيلية الثانية على القطاع، وكانت أيضاً قد تكدست أمام منزله العشرات من المنصات الخشبية التي حملت مساعدات الناس لأهل غزة "وهكذا قفز السرير الذي صنعته أيام كنت طالباً في سكن بيرزيت إلى مخيلتي بدون استئذان" قال شمس وكأن شمساً من فخر وسعادة قد قفزت إلى وجهه "كنت انتظر بفارغ الصبر انتهاء دوام عملي كي اعود إلى المشغل واكمل ما بدأت بصنعه من المنصات الخشبية، فالطاولة الصغيرة كنت انهي عملها خلال اسبوع اما الان استطيع ان انهيها خلال نصف يوم".
"أفانين" ينتج ليساعد
لم يملك شمس في البداية الكثير من الادوات، لكنه ورغم ذلك انتج الكثير من القطع "لم اكن في البداية اطمح لبيع القطع التي كنت اشكلها من الخشب فكانت مجرد هواية احب ممارستها، وذات يوم قمت بتحميل صورة لمنتج انتهيت من صنعه على صفحتي الشخصية على الفيسبوك ولاقت اعجاب الكثير من الاصدقاء، والاجمل من ذلك ان احدهم طلب مني ان اصنع له شيء مماثل".
و منذ تلك اللحظة لم تعد المنتجات التي يصنعها شمس مقتصرة على الهواية "كنت بحاجة لمصدر رزق يساعدني في تمويل حملة قوارب التطوعية، لا سيما بعدما استقلت من عملي، وفجأة، أصبح مشغل تحويل المنصات الخشبية الى قطع اثاث فنية لا يهدأ من العمل، وأصبح بحاجة الى اسم يليق بوظيفته فلم يجد شمس انسب من كلمة "افانين" لتشير الى عمل المشغل "افانين كلمة عربية مشتقة من كلمة فن وهي موجودة في القاموس العربي لكنها غير دارجة على السنة الناس، وتعني جماليات الاشياء، فرايت ان الكلمة مناسبة للمشغل كونه ينتج فن وليس بضائع هدفها الربح".
وتحول "افانين" إلى مشغل يحتوي على الات وادوات اكثر تطورا من قبل، وزاد عدد الزبائن الطالبين للاثاث خصوصا المقبلين على الزواج فيرى شمس ان الناس لم تعد ترغب الخشب المستورد بل يفضلون الخشب الطبيعي كما ينتجها افانين.
الضربة التي لا تميتك تزيدك قوة
نوفيمبر 2016 شكل بالنسبة لأزاد تاريخاً مفصلياً، حيث دفع ثمن هوايته وشغفه بالخشب غالياً عندما خسر سبابته اليمنى في إحدى آلات قص الخشب، لكنه يسخر من الحادثة مكابرة ويقول "انا شمالي، استخدم يدي اليسرى اثناء العمل فلا اعتقد ان هذا سيؤثر سلبا على عملي، الا اني اشعر بالضيق واتوق الى العمل والانتاج وانتظر اليوم الذي سوف اباشر فيه العمل على تلك القطعة التي لم أنتهي منها بعد، ما زال ينتظرني الكثير والضربة الي ما بتقتلك بتقويك".