الرسم الإلكتروني: إبداع باللمس
غزة- رايــة:
سامح أبو دية-
بعيدا عن الريشة أوالقلم، وبدون أدوات الرسم التقليدية المعتادة، أبدع أحد الشبان الغزيين بالرسم الإلكتروني الفريد والحديث كليا، محلقاً في هذا الفضاء الواسع، محققاً لرغباته، في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية متعثرة لا سيما تلك التي تعصف بأحلام الشباب الغزي ومستقبلهم في القطاع.
الشاب أحمد عبد الله مسعد، يجلس يوميا على مكتبه متسمراً أمام شاشة "الأي باد" الخاص به لساعات طويلة، يحاول انجاز كل ما أصبح مطلوباً منه من لوحات ورسومات وزخارف مختلفة، قبل أن يتراكم عليه العمل مجددا.
الحرب الأخيرة على غزة عام 2014، كانت نقطة التحوّل المهني بالنسبة لهذا الشاب الذي تخرج حديثا من الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، تخصص الإعلام، فانتقل من الرسم التقليدي الى الرسم الإلكتروني عبر رسم أو لوحة تعبر عن مشهد حدث خلال الحرب، كانت اللوحة مرسومة على هاتفه الذكي.
كثير من الفنانين والرسامين عبروا بريشاتهم وأقلامهم الملونة عن مشاهد من الحرب، غير أن أحمد قرر استغلالها لتطوير قدراته، وبدأ بالرسم الإلكتروني، وعن أول لوحة يقول: "رسمت مشهد تصاعد الدخان نتيجة القصف الاسرائيلي لأحد المباني بغزة، وكانت اللوحة الأولى الكترونيا، ثم مشهد رجل يخرج من بين الأنقاض، كانت تلك أولى أعمال الرسم الالكتروني ومنها انطلقت".
في بداية توجه مسعد (23 عاما) الى الرسم بتقنية اللمس الحديثة، كان الأمر مرهقا للغاية، ويحتاج العمل الواحد الى عدة أيام، ولكن مع الممارسة، أصبحت اللوحة الواحدة لا تحتاج سوى 3 ساعات فقط لإنجازها.
ويستخدم الفنان تطبيق "SketchBook" لرسم لوحاته الفنية المختلفة، وهو برنامج إلكتروني يحاكي فكرة الورقة والقلم ولكن بدون الحاجة لتلك الأدوات، وتبدأ والعملية وتنتهي بأداة واحدة "الهاتف الذكي".
وعلى الرغم من أن رسم الأشخاص من أصعب أنواع الفنون، أتقن أحمد رسم الأشخاص الكترونيا بأدق التفاصيل وبحرفية عالية جدا، وأنجز عشرات اللوحات لأشخاص مقابل أجر مادي، لتساعده في تطوير قدراته وشراء الأجهزة الأكثر تطورا، والأهم من ذلك كله،تطوير مهارته أكثر.
الرسم بتقنية اللمس "الإلكتروني" حقق لهذا الشاب المتخرج حديثاً ما أراده، وأصبحت موهبته هذه هي مهنته ومصدر دخله، في ظل شبح البطالة الذي يطارد عشرات آلاف الخريجين والشبان في قطاع غزة، ومستقبل ضبابي لهؤلاء.
الاقبال الشديد من الأقارب والأصدقاء والمحيطين به لإنجاز رسومات مختلفة منها ما هو صعب جدا، أصبح مزعجا للغاية بالنسبة لأحمد، الأمر الذي دفعه لنشر اعلان للراغبين بالعمل معه، مستعينا بمواقع التواصل الاجتماعي بشكل أساسي للنشر والاعلان، فضلا عن استلام وتسليم الأعمال الفنية عبرها.
انتشار أعماله الفنية الإلكترونية، دفع شركتين للعمل معه بشكل دائم، عبر ادخال الرسم على الاعلانات، وكافة أعماله الفنية ينجزها عبر جهازه المحمول "أي باد" ذو المواصفات المتطورة وجودة مخرجاته من الرسومات واللوحات.
وعن مواصفات ومميزات الرسم الإلكتروني مقارنة بالرسم التقليدي الذي كان في بدايات موهبته، يوضح: "الرسم باللمس يوفر كثيرا، أولها الأمان وامكانية حفظ الرسومات بعيدا عن التلف والحوادث التي قد تقع في الرسم التقليدي، اضافة الى أن الرسم الالكتروني يوفر كل الألوان الممكنة وبأكثر من ريشة وأكثر من نوع خط، وميزة الاسترجاع عند وقوع أي خطأ خلال الرسم، وسرعة العمل".
ومما يميز هذا الفن الجديد، حفظ المجهود الذي يبذله الرسام، ففي الرسم على الورق هناك احتمال تلف اللوحة، خاصة في نهاية العمل، اضافة الى الجودة العالية التي يمتاز العمل، ويمتاز الرسم الإلكتروني بإمكانية الطباعة على ورق أو الاحتفاظ بها الكترونيا والرجوع لها في أي وقت، فضلا سهولة ارسال الأعمال بجودة عالية جدا.
العديد من المصاعب والانتقادات واجهها الشاب مسعد، على اعتبار أن هذا الفن يعتبر جديد وطريقة رسم غير معروفة لدى الكثيرين، فالبعض ظنه مبرمج وآخرين اعتقدوا أنه يستخدم برامج التعديل عبر وضع الصورة فيه وتعديلها كما يفعل غيره من هواة.
الحقيقة لكل من يشاهد التقنية الجديدة في الرسم والزخرفة، يدرك تماما أن الريشة والقلم أصبحت مهددة بالاندثار مستقبلا، أو على أقل تقدير قد تشهد الفترة المقبلة عزوف جماعي للفنانين عن الطريقة التقليدية والتوجه للرسم والزخرفة إلكترونيا.