"أبو الديب" يصنع لرام الله مذاقها الخاص
رام الله- رايــة:
محمد قمر-
من منا يستطيع البدء بيومه دون تناول وجبة الإفطار.. فما بالك إن كان إفطار مع المقبلات الفلسطينية مثل: الزيت والزعتر، والمقدوس، والشطة الفلسطينية، والمخللات بأنواعها وأشكالها، وغيرها من المقبلات الفلسطينية التقليدية التي تعتبر جزءاً من التراث الفلسطيني.
الحاج السبعيني عبد المجيد الروم أو كما يسمونه "ابو الديب" يتقن منذ سنتين صنع خلطة المقبلات هذه على افضل نحو، في مدينة تشهد في آن واحد نوعا من الحداثة والغلاء في الاطعمة حتى بات أهلها يتذمرون من اسعار مطاعمها ويقارنونها بمدن اوروبية.
داخل مدينة رام الله عمل "ابو الديب" سائقاً لمدة 35 عاماً، وفي المدينة ذاتها إتجه منذ سنتين للعمل في صنع خلطة المقبلات الصباحية، علها تنجح بين تشكيلة المطاعم المرصوفة على شوراع المدينة وداخل بناياتها.
تصحو مدينة رام الله باكرا في استقبال المواطنين القادمين من شتى المدن الاخرى نحو اعمالهم، وينهض الحاج الساعة السادسة صباحاً، فيبدأ يومه بإنتقاء البضائع من سوق الخضار الشعبي، من الباذنجان والفلفل الأحمر والأخضر والخيار البلدي، لتشكل المواد الأولية لصنع المقبلات التقليدية.
يبدو الشغف في عيني الحاج عندما يصف عملية الصنع، فهو ينتقي الباذنجان الصغير ليصنع منه المقدوس "المكدوس"، فيقوم بقمع عنق الباذنجان واحدة تلو الأخرى ويغسله بالماء النظيف ويضعه في القدر على النار بغية سلقه، وبعدها يجرحها بالسكين جرحاً صغيراً ليملحها بغية التخلص من ماء الباذنجان، وأخيراً يحشيه بالجوز والثوم والفلفل المقطع ويضيف عليه الزيت مشكلاً تمازج لذيذ بين طعم الباذتجان والثوم والجوز والزيت، ناهيك عن رائحته التي تفتح الأنفس.
أما الشطة الفلسطينية الحمراء "الشطة الغزاوية" الجاهزة للإستعمال ينتظرها الحاج قرابة الشهرين حتى تنضج. في مطاعم المدينة تستغرق الوجبة دقائق، وتناولها كذلك، بعدها يتعين على الزبون دفع مبلغ جيد يلسع كما الشطة. عند ابو الديب تمر "الشطة" بعملية طويلة، تبدأ بغسل قرون الفلفل الطازج ونزع عنقه الأخضر عن جسمه الأحمر ثم يفرمه على آلته القديمة التي يخرج منها كجريان الدم في العروق.
يقول إنه يعشق هذا العمل، يعشق إستيقاظه مبكراً ليحرك الشطة يومياً حتى تتخمر وتصبح جاهزة للأكل، يعشق رائحة الفلفل المفروم التي تملأ المكان.
يمشي السكين ذهاباً وإياباً على قرون الفلفل الأخضر المغسول، منزوع القمع، مقطعاً إياه إلى مكعبات صغيرة، ثم يرش عليه الملح، ويضع عليه الماء، ويبقى ليلة وضحاها وبعدها يصفيه من الماء ثم يضع بالزيت، ثم تخرج خلطة الشطة بغير حرقة في سعرها المعقول، ومع حرقة ترافقه في عينيه نتيجة فرم الفلفل باليدين وملامسة الأعين بسهوة منه، ايضا رائحة الفلفل تحرك دموعه.
الحاج الذي يستقيظ من الساعة السادسة صباحاً وينهي عمله الساعة السادسة مساءً ينهك نفسه كثيراً، فيشعر بتعب شديد ولاسيما مفاصله؛ بسبب جلوسه لساعات طويلة، قلبه يخزه من كثرة التعب، والآلام في الصدر، فهو في النهاية سبعيني.
ويقول الحاج: "أنا لا أطمع بالمال وأربح مالاً بسيط يغطي سعر التكلفة مع هامش بسيط من الربح لأستمر بالعمل، فهدفي ليس الربح فهي موهبة ولذة لدي، ولكن في بعض الأحيان أضطر للبيع بسعر التكلفة؛ بسبب أن الناس تبحث دائماً عن السعر المنخفض وليس جودة المنتج".
ومن الأشياء الجملية، تمازج ألوان هذه المقبلات التي يضعها الحاج على الرفوف بعد صنعها ووضعها بالمرطبانات، فنجد لون الشطة الحمراء يتداخل بلون الفلفل الأخضر باللون الباذنجان البنفسجي بلون المقدوس الأسود، فهي كلها تشكل لوحة فنية من الألوان الطبيعية المشّهية.