في اللحظات الأخيرة.. يا فرحة ما تمّت !
الخليل- رايـــة:
طه أبو حسين-
عندما يتجاوز الخذلان حده، نراجع قراراتنا بالألم، والألم هو كل ما استملك عارف جابر بعدما كان على موعد مع فرحة إتمام بناء طابق ثان لمنزله الواقع بمحاذاة الحرم الإبراهيمي في الخليل العتيقة، وبقرار من الحاكم العسكري الإسرائيلي أعلن المنزل الذي يأوي ثمانية أشخاص منطقة عسكرية مغلقة وأصبح المنزل قائماً بنصف عقدةٍ ستبقى كالعُقْدة في وجه عارف حتى يهدمه بيديه فينهي الوجع بوجع أكبر أو بخسائر مالية تزيد عن (50 ألف شيقل).

قصة عارف جابر معقدة أكثر من أن يستوعبها من لا يعرف واقع الخليل، فمنزله في حيّ جابر على بعد دقائق قليلة من الحرم الابراهيمي الشريف الذي يعتبره الاحتلال مركزاً دينياً مهماً، والخاضع للإغلاق والتقسيم بطريقة معقدة، وعلى امتداد البصر هناك تقتصر إطلالة عارف وجيرانه على الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش والبوابات الالكترونية الى جانب جنود الاحتلال ومستوطنيه.
أما قصة عارف فتبدأ لحظة قرر التوسع بطابق ثان يخفف من اكتظاظ المنزل.
وفي محاولة لرسم الصورة التي يعيشها جابر: يعترضه حاجز اسرائيلي يعرف باسم "حاجز حي جابر"، على بعد (200 م) تقريبا من منزله، يخضع للتفتيش هو وعائلته وكل من يرغب بدخول الحي، والتفتيش غير العادي بات عادياً في نظر الكثيرين في ظلّ تراكم المشاهد المهينة لكرامة الانسان عليها، ثم يستكمل المسير مشياً على الأقدام أو من خلال وسائل بدائية، وهذا ما كان يحصل على مدار شهرين من عملية البناء: تصل الشاحنات محملة بالإسمنت والحديد والرمل وغيرها، ويتم افراغ حمولتها عند الحاجز ثم يتم ادخالها إما على الأكتاف أو عبر العربات التي تجرّها الدواب.
بقرار من الحاكم العسكري الاسرائيلي اعلن جيش الاحتلال البيت منطقة عسكرية مغلقة، واعتدى على العمال وعائلة جابر بالضرب، ثم أوقف خلاطة الباطون عن عملها وقام بسكبه على الأرض ومنعهم من استكمال صب عقدة المنزل، واستأنف جابر والوجع عنوانه " لقد خرب بيتي، انا تدمرت".

ببساطة، وقع جابر فريسة حيلة لم يكتشف ملامحها إلا متأخرا "عملوا لي خدعة، تركوا الأمور تمشي بوضع طبيعي، ولما وصلت نصف العقدة، منعونا من استكمالها، وهذا تسبب بخسائر فادحة، و(المستوطن حايل) صار يضحك وهو يشاهد ذلك، أولادي وعائلتي قهروا على البيت وتألموا جدا والمستوطن يضحك ويستفزهم" قال جابر فاركا يديه بعصبية واضحة.
(المستوطن حايل) هو الاسم الذي تكرر على لسان عارف كثيراً خلال سرد قصته، فقد حاول الاحتيال عليه وعلى عائلته منذ بدء ببناء المنزل، وتسبب لهم بمشاكل بعد الاعتداء عليهم بالضرب والتهديد بالسلاح،كل هذا لأجل استكمال البناء وأن لا يكون هناك حجة للاحتلال بإيقاف لكن دون جدوى.
وكان جابر أعلم الارتباط الفلسطيني وجهات فلسطينية أخرى في مراحل مبكرة من بدئه بالبناء بتخوفاته من تحرك إسرائيلي ما ضده ولم يبدأ البناء إلا بعد حصوله على تطمينات فاستأنف بناءه حتى وصل مراحله الأخيرة، فكان حايل له بالمرصاد، عاد فاعتدى على عائلة عارف بالضرب بمساندة مستوطنين والجنود الذين باشروا لحظة وصولهم بإطلاق القنابل الصوتية والغازية والاعتداء بالضرب على العمال ومنع استكمال صب العقدة بحجة قرار الحاكم العسكري الاسرائيلي.
المساحة التي أراد جابر تشييدها بواقع مائة متر، تقدر تكلفتها بـ 30 ألف شيقل في أي منطقة تابعة لسيادة السلطة الفلسطينية، في حين أن خسائر جابر تجاوزت ( 50 ألف شيقل) حتى اللحظة، ناهيك عن تبعات الخسارة بسبب وقف الصب في منتصف العقدة، فالمنزل لا هو بالقائم ولا هو عكس ذلك.
واليوم يحرم عارف جابر وأولاده من الصعود على سطح المنزل بقرار الحاكم العسكري الاسرائيلي، كما يمنع الضيوف والأقارب والاعلام من الوصول إليه، فيوميا يتم تجديد الأمر العسكري، وآخرها كان اليوم الاثنين ساعة اعداد هذا التقرير.
لم يتوانى جابر عن طرق باب المؤسسات الرسمية والدولية لكن أحدا لم يتمكن من تغيير قرار الاحتلال.

