الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:45 AM
الظهر 11:24 AM
العصر 2:19 PM
المغرب 4:44 PM
العشاء 6:03 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

عمّان- دوما- المعتقل.. قصة عائلة تفرقت في وطن واحد !

 

نابلس- رايــة: 

ملاك أبو عيشة-

يعدون الوقت على أصابعهم بكل عواطف الغياب، ويمتهنون الانتظار بمهارة المجرب الخبير؛ فبين ليلة وضحاها شردت العائلة وشتت شمل أفرادها الأربعة رغم أنهم ما زالوا في وطن واحد.

بدأت حكاية عائلة عروة الدوابشة قبل خمسة أشهر عندما قرر الوالد (عروة) العودة بولديه خالد ابن الرابعة وجود الذي لم يتجاوز الثانية بعد، وحيداً إلى فلسطين لاستخراج أوراقهم الثبوتية والهوية الفلسطينية فيما بقيت الوالدة (إسلام) في الأردن كونها تحمل الهوية الغزية ما يعني أنها ممنوعة بحسب القانون الإسرائيلي من دخول الضفة الغربية.

لم يكن ليخطر على بال الأم الشابة أن هذا الوداع سيكون أطول بكثير مما خططت له، فقد اعتقل زوجها خلال عبوره للحدود الأردنية الفلسطينية من قبل إسرائيل فيما أبعد طفلاها إلى قرية دوما جنوبي نابلس حيث مسقط رأس الوالد ومنعت هي من دخول الضفة بسبب هويتها الغزية!

توجهنا إلى دوما أولا، وفي المخيلة نحاول رسم صورة  أولية لهذه العائلة، لكن المشهد كان سرياليا حتى بالنسبة لنا- وقد استعدينا بالمعلومات والبحث لهذه القصة.

ففي ساحة منزل متوسط الحال جلس خالد ابن الرابعة يلهو بألعابه رافضا مجرد الالتفات لجدته التي ترجوه الاقتراب، بينما تجاهد الجدة السبعينية في إنقاذ الكومبيوتر المحمول من يدي حفيدها الأصغر جود. أما المفاجأة، فكانت بالصورة التي لمحناها على شاشة الكمبيوتر، فقد كانت الوالدة تحاول التواصل مع ولديها عبر "السكايب" وقد غلبها الشوق.

 

"بنحكيلوا إحكي مع ماما بتعيط بدها تحكي معك بيقول خليها تعيط" بادرتنا الجدة بالحديث مبررة حالة الفوضى التي تعم المكان "والله حارقينلي قلبي من جوا، مفكرين إنها هي اللي تركتهم" قالت الجدة فيما الصغير جود يمد يده لشاشة الكومبيوتر كلما تحدثت إليه والدته.

كنا نراقب المشهد أمامنا وفي المخيلة تساؤل واحد: ترى من يضع يده على صقيع اللحظة تلك ليمنح هذه الأم وطفلاها بعضاً من الدفء وشيئاً من الحنان! وكما لو أن الجدة استشفت بفطرتها تساؤلنا "بقولوا لعمامهم بابا وكل عماتهم ونسوان اعمامهم ماما، الله يجبرنا" قالت الجدة وقد اختنقت الكلمات في حلقها.

وصول العم عبادة الدوابشة إلى المنزل قلب الأجواء ضحكا ًوصراخاً ولعباً فتذكرنا جميعاً أننا بحضرة شقاوة الطفولة مهما تعقدت الظروف، وبينما انشغل خالد وجود باللعب مع عمهم تمكنا نحن من مخاطبة الوالدة:

"إن شاء الله ما بنطول عليك" كانت آخر كلمات عروة لزوجته سلام والتي لا زال صداها يرن في الذاكرة "لأول مرة ما بيوفي بوعده إلي، صارلي أكثر من خمس أشهر بستنى" قالت الوالدة فيما تحاول إبعاد وجهها عن كاميرا اللابتوب حتى لا نوثق لحظة ضعفها.

وفجأة بادرتنا بالسؤال الصاعقة "معقول أنا إبني ما يرضى يحكي معي لا ويمرض ويسخن لما يشوفني بالكاميرا؟ بأي شرع هذا يا عالم؟ وين بيصير؟" أمطرتنا سلام بأسئلتها وكم هي رهيبة الأسئلة البديهية في بساطتها.

"كل حلمي أضم أولادي وأشم ريحتهم، قديش صعب هالحكي" قالت سلام ثم أجهشت بالبكاء وآثرت قطع الاتصال على توثيق اللحظة أمام طفليها.

وانضم إلينا العم رغم انشغاله باللعب مع طفلي شقيقه ورفضهم مغادرة حضنه، وكلما انشغل عنهم بالحديث إلينا أصروا على لفت انتباهه بكل طريقة ممكنة إلى صرخ خالد  "بابا شوفني بابا اطلع" فعم الصمت.

"الواحد فينا بينشف دمعه لما يتعود على الحزن" قطع العم عبادة الصمت الذي فرضه علينا الصغير "ما خلينا مؤسسة حقوق إنسان ولا جمعية إلا ورحنالها وعالفاضي" قال العم وكأنه يمهد لما سيأتي "توجهنا لوزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية حسين الشيخ قبل فترة ووعدنا بحل المشكلة بأسرع وقت ممكن، وقال لنا بأنها مشكلة بسيطة جداً سيعمل جاهداً على حلها، ولكننا فوجئنا بعد فترة بأنه يرفض استقبالنا في مكتبه، ولا يرد على أي من مكالمتنا بدون سبب يُذكر".

وقد بدا هذا الموقف مألوفا بالنسبة لنا، فقد حاولنا مرارا الوصول للوزير الشيخ أو من ينوب بالحديث عنه لكن دون جدوى.

خالد وجود مجبران على تعلم الأمل كي لا يموت فيهما من الشهقة الأولى، أما أن تمتهن هذه العائلة الانتظار فمعناه أن تعيش احتمالات شديدة لممكنات ضيقة..فمن لجود وخالد!

Loading...