المدرج الروماني في سبسطية.. موقعٌ أثري يسعى الاحتلال لطمس حضارته
نابلس- رايــة:
فراس أبو عيشة-
أشجار زيتون تُحيط بِمقاعد حجريّة مُشققة ومُهترئة، وفي الساحة الرئيسة أعمدة مُكسرة لا يُعرف أصلها، فما إن تصل لذلك المكان ولأطرافه، لتستدل من خلاله على ماضٍ عريق، وتستنشق رائحة عبق الماضي المتأصلة من الزمن والعهد الروماني، وتتنسم حاضراً أثرياً، رغم حسرة تئن في القلوب، منطلقها وسببها: سيطرة إسرائيلية، وإهمال وعدم ترميم.
"المدرج الروماني" في سبسطية، يعود للقرن الثاني للميلاد (حوالي 200 ميلادي)، عندما أسس المدينة الرومانية الإمبراطور سيبتموس سيفيروس، حيث يبلغ قطره الخارجي 65 متراً تقريباً، وستخدم سابقاً للمسرحيات التراجيدية والفكاهية، ويحوي 14 جزءاً من المقاعد، كل مجموعة منفصلة عن الأخرى، بينهم مدرج صاعد وهابط.
"أعمال تخريبٍ لا ترميم"
ويقول مدير دائرة الآثار في مدينة نابلس محمود البيراوي "لا زال هُنالك جزء من منصة غير مكتشفة ضمن المدرج الروماني، وهي بِحاجة إلى اكتشاف، والمدرج يحتاج إلى ترميم، ولكن معيقات تعيق وزارة السياحة والآثار، كون تلك المنطقة تخضع تحت السيطرة الإسرائيلية، والمعروفة بمناطق (ج) بالعربية، أو (سي) بالإنجليزية، حسب اتفاقية أوسلو عام 1993".
وتمنع الاتفاقية وزارة السياحة والآثار من العمل بهذه المنطقة، حيث قامت الوزارة سابقاً بالتنسيق والاتصال مع اللجنة الرباعية التي كان يترأسها "طوني بلير" في حينها، ودعته لزيارة سبسطية، بِهدف الإطلاع على الموقع الأثري الذي يخضع للسيطرة الإسرائيلية، بما فيها المدرج.
ويؤكد أن مطلب الوزارة تمثل بِمطالبة اللجنة بِالضغط على الجانب الإسرائيلي، لتسليم المنطقة للسلطة الوطنية، وربطها مع بلدة سبسطية، لأن المنطقة العليا للآثار مُكملة للموقع الأثري الذي يخضع للسيطرة الفلسطينية، ولكن هذه الاتصالات والمحاولات باءت بِالفشل.
وبناءً على محاولة الضغط، عَمَدت قوات الاحتلال مُمثلة بِدائرة الآثار الإسرائيلية العام المنصرم بِأعمال في موقع المدرج الروماني، وحسب منظور الاحتلال فهي أعمال ترميم، أما حسب منظور وزارة السياحة والآثار من الناحية الأثرية والقانونية فهي أعمال تخريب، كونهم أدخلوا جرافة إلى الموقع، وعمدوا على تدمير بعض الجدران الآثرية في المدرج، واقتلاع الحجارة الآثرية، بِحُجة إقامة وإنشاء جدران استنادية.
ولكن حسب اتفاقية لاهاي عام 1954، يجب على المحتل أن يحافظ على التراث الثقافي في المناطق المحتلة وعدم المساس به، وِبموجب اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949، يجب حماية الأشخاص والممتلكات الثقافية الخاصة بالشعوب أثناء النزاع المسلح، إضافة إلى اتفاقية التراث العالمي عام 1972، والتي تدعو جميع الأطراف للحفاظ على التراث الثقافي كَتراث إنساني يَمنع الاحتلال القيام بأي أعمال في مواقع التراث التي تحتلها.
وعودات ونقضٌ لها
ويُشير إلى أن بلدية سبسطية والاتحاد الاوروبي والايطالي وضعوا سابقاً لافتات تعريفية داخل المواقع المصنفة (سي) التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية، إلا أن الاحتلال أزالها مباشرة، وأيضاً عمد الجانب الإسرائيلي بِتعبيد شارع الأعمدة الذي فصل البلدة القديمة عن منطقة الآثار الرومانية أصبح المجال متاحاً أكثر أمام قطعان المستوطنين الذين أصبحوا يرتادون المنطقة بشكلٍ شبه يومي تحت كنف وحماية جنود الاحتلال، وإجبار السائح على زيارة المنطقة العليا الخاضعة لسيطرتهم دون أن تستفيد البلد من هذه السياحة الوافدة إلى المناطق الأثرية.
ولا يخفى دور محافظ نابلس السابق اللواء جبريل البكري الذي حاول الضغط على الجانب الإسرائيلي لعمل مشاريع في تلك المواقع الأثرية، من أجل ترميمها وصيانتها، ولكن رغم الوعودات التي قدمها الجانب الإسرائيلي، إلا أنَّهم نقضوا عهدهم ووعدهم.
ويُوضح "فيما بعد وضع الاحتلال ما يحمي الحفريات الأثرية في موقع المدرج الروماني، ونقل حجارة من مواقع أثرية أخرى إليه، وهذا مُخالف للاتفاقيات التي ذُكرت سابقاً، لأنَّه من الممنوع نقل أي غرض من أي موقع أثري، كون قيمته الأثرية والتاريخية في الموقع الموجودة فيه أساساً، ولكن الاحتلال يستمر في مخالفة الاتفاقيات".
ومن الجدير بالذكر أن وزارة السياحة والآثار اختارت سبسطية من ضمن 20 موقعاً لتكون من ضمن قائمة التراث العالمي، ورفعت كتاباً لمنظمة اليونسكو العالمية، ومنظمة حماية التراث العالمي، ووضعتهما في صورة الوضع، كون هذه الإجراءات التعسفية وما يحدث يُغير واقع أحد أهم المعالم الأثرية في فلسطين خاصة، وفي العالم أجمع.
لصوص آثار وعقبة مالية
ويُتابع "الأخطر من هذا كله، انتشار لصوص الآثار في المنطقة، وتعرض القطع الأثرية للنهب والتآكل، وبالتالي بيعها بِأسعار زهيدة، ورغم أن المنطقة تقع تحت السيطرة الإسرائيلية، وصعوبة تدخلنا فيها، إلا أننا نتعاون مع شرطة السياحة والآثار الفلسطينية، لحماية المدرج الروماني، والأماكن الأثرية حوله من لصوص الآثار، ونُحاول القبض عليهم، لإحالتهم للقضاء فوراً، مع العلم أن حجم سرقة الآثار بات ضعيفاً جداً، مُقارنةً بِزمن الانتفاضة".
وحسبما يُبين، فَلو كانت تلك المناطق والمواقع الأثرية في سبسطية خاضعة وتابعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، لَواجهتنا صعوبة واحدة، لا نتخفى عليها، ألا وهي "العقبة المالية"، مُختتماً حديثه بِرسالة، مضمونها "عليكم يا أهلنا وشعبنا الفلسطيني في سبسطية، وكل بقاع فلسطين، أن تستمروا في زيارة هذه المواقع، وإقامة المهرجانات والفعاليات على أرض المدرج الروماني، فَهذا ما بقي لنا، وعلينا أن نتمسك ونتشبث بِما تبقى".
السيطرة الفلسطينية هي الحل
ومن ناحيته، يؤكد رئيس مجلس الخدمات المشتركة لقرى شمال غرب نابلس محمد عازم أن المدرج الروماني منذ العهد القديم كان يُستخدم كَمسرح، ولكن الآن بسبب غطرسة الاحتلال عليه، وعلى المواقع الأثرية حوله، فَنسعى إلى تنظيم معظم فعاليات بلدة سبسطية في تلك المواقع، وبالتحديد في المدرج الروماني، كونه يتسع لِجُموع الناس.
والمدرج الروماني يقع تحت السيطرة الإسرائيلية، التي تُمارس أعمال تخريب في الموقع، تهدف من وراءها تغيير المعالم التاريخية والأثرية، وإدراجها ضمن الآثار الإسرائيلية، وحسب القوانين والتشريعات الدولية فَهي مخالفة لهما، والاحتلال يمارس قدرته وقوته وهيمنته للبقاء مُسيطراً على هذا المدرج، ويعبث خراباً بِآثاره، لتغيير تاريخه.
ويُعرب عن أسفه من بعض الناس الذين يُحملوننا المسؤولية بما يحدث في المدرج الروماني وما حوله، قائلاً "المؤسسات والتنظيمات في سبسطية تعمل دوماً على محاولة المنع والتصدي للاحتلال وغطرسته، والكل يعلم بِأنَّه كان هُنالك مشروع تخريب للموقع من جهتهم، وبِجهد الجميع استطعنا منعهم من ذلك".
وكونَّه ليس لدى السلطة الفلسطينية، وبلدية سبسطية، ومؤسساتها وتنظيماتها، صلاحيات في الموقع، حاولنا وضع إنارة، وشبكة إضاءة، ولافتات تعريفية، إلا أن الاحتلال قام بِخلعها مباشرة.
ويُوجه رسالة للقيادة الفلسطينية "عليكم التوجه والاهتمام بهذه المواقع الأثرية، وفرض السيطرة الفلسطينية عليها، وفرض حماية الأجهزة الأمنية لها، بسبب لصوص الآثار، وسبسطية بِحاجة إلى بُنية تحتية مناسبة".
السياحة تتهرب من المسؤولية
وفي نفس السياق، يُوضح مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية غسان دغلس أن الحل الوحيد للدفاع عن المدرج الروماني بالتحديد وما حوله، هو التصدي لهم عن طريق المقاومة الشعبية.
ويُنهي "على وزارة السياحة والآثار الاهتمام بالموقع، وعدم الهروب من المسؤولية تحت حُجة أنَّه تابع للسيطرة الإسرائيلية، فيوجد الكثير من الأعمال التي يُمكن القيام بها بِغض النظر عن من الذي يُسيطر على الموقع".