بين "فلسطين وشجرة الزيتون".. حكاية لا تنتهي
غزة- رايــة:
سامح أبو دية
عادت محركات معاصر الزيتون المنتشرة في أراضينا الفلسطينية للدوران من جديد، وسط أكوام مكدسة من الزيتون تدشينا لموسم قطف جيد نسبيا، مع آمال أن يكون موسما وفيرا في إنتاج كميات الزيت.
في يوم إجازة قطف الزيتون في فلسطين "راية" ترصد جميع المعلومات المتعلقة بإحصائيات وأعداد وأصناف الزيتون الفلسطيني وأسعارها، البداية بأنواعه المتعددة فهناك الزيتون "النبالي البلدي " وهو أشهر أنواعه الذي يتأقلم مع الظروف البيئية السائدة في البلاد، ويمتاز بجودة زيته المرغوبة في الأسواق المحلية والعربية والعالمية، وهناك أصناف أخرى "كالصوري"، "والنبالي المُحسّن"، وأصناف مُدخلة مثل الزيتون "المانزنيلو" و" كي 18" الذي ينتشر بكثرة في قطاع غزة.
أما بالنسبة للمناخ والتربة المناسبة للزيتون في فلسطين، الذي يتحمل ارتفاع الحرارة، ويحتاج للماء باعتدال، ويتحمل الجفاف، وينجح في المناطق التي يزيد معدل تساقط الأمطار فيها سنويًا عن 350 ملم، مثلما يتناسب مع أنواع الترب المختلفة، ويٌفضل التربة الخفيفة الغنية بالمادة العضوية والكلس والحصى، ولا يُفضل التربة الثقيلة التي تتشقق صيفًا، لذا تعتبر تربة فلسطين ومناخها مناسبة جدا لزراعة الزيتون فيها ونجاحه بنسبة عالية جدا، بالإضافة لعيش تلك الشجرة لفترة طويلة قد تمتد لعقود.
ووفق التعداد الزراعي الذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء عام 2010، فقد وصل عدد أشجار الزيتون في الأرض الفلسطينية إلى 7,596,562 شجرة، فيما قُدرت مساحة الأراضي المزروعة بـ 462,823,82 دونمًا، بينما يُقدر عدد الأشجار حالياً في الضفة الغربية وغزة بنحو 11 مليون، حسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني.
وتتراوح نسبة الزيت إلى الزيتون في فلسطين ما بين 17-23% من كمية الزيتون وتختلف حسب طبيعة المنطقة والأرض المزروع فيها، المزارع سهيل محمد يقول: " بعد أن انتهينا من قطف الزيتون وعصره تعتبر الكمية المنتجة من الزيت الصافي جيدة نسبيا ومرضية لحد كبير، وأن نسبة الزيت وصلت إلى 22% من كمية الزيتون، مشيرا إلى أن هذا الموسم بالنسبة له أفضل من سابقه الذي كان فيه الإنتاج ضعيف جدا" حسب قوله.
ولا يستطيع المزارع نسيان سلوكه التقليدي في كل موسم قطف الزيتون كحال جميع المزارعين في الأراضي الفلسطينية، حيث تعتبر هذه التقاليد تراثية وتاريخية، فيجمع المزارع من يستطيع العمل من الشبان والأطفال والنساء ويحضر معه "خبز طابون" ويشعل النيران ويصنع بها "براد الشاي" ويفطر بما يشتهي من أنواع الطعام الصباحي ومن معه، ليبدأ العمل الجاد في قطف الزيتون وتعبئته في أكياس كبيرة تمهيدا لنقلها للمعصرة لتصبح زيتا صافيا زكيا بعد حين.
دائما في هذا الموسم نشهد اكتظاظا كبيرا للمواطنين أمام المعاصر في كل البلدات، لنوضح نسبة انغماس وتمسك المواطن في موسم قطف الزيتون، فالدور طويل وأكياس الزيتون البيضاء في كل مكان في من أراض المعاصر التي تشهد انفعالا فقط خلال موسم الزيتون من كل عام .
أصوات ضجيج المعاصر لا تزعج أحدا من المواطنين، بل يستمعون بتلك الأصوات وينشغلون برؤية الزيت الصافي المنتج ورائحته الزكية الجذابة، فلا يكترث المواطن لما يصدر من ضجيج ولا يتذمر منها إنسان لأنها في نظر المواطنين مصدر للخير والزيت والرزق الوفير والمكون الأساسي للغذاء المتكامل في كل بيت فلسطيني حسب تعبير المواطن عمر جبر.
رئيس مجلس زيت الزيتون الفلسطيني فياض فياض يؤكد بأن توقعات الإنتاج التي لن تتجاوز 19 ألف طن لهذا الموسم، ويشير إلى أن موسم الزيت لهذا العام سيكون متواضع مقارنة بمتوسط الإنتاج في سنوات المواسم الذهبية التي تصل إلى 35 ألف طن.
ويرجع السبب في تذبذب الإنتاج وضعفه نسبيا للعام الحالي الى الأحوال الجوية المتقلبة خلال العام الماضي والتي ساهمت في ضعف الموسم الحالي، فقد تركزت الأمطار في منخفض جوي واحد من جهة، ولم يكن توزيع الأمطار جيدا على شهور الشتاء، كما أن هطول الأمطار في شهر مايو الماضي أثر على براعم الزيتون التي تساقطت بسبب البرد والمطر، حسب ما أفاده فياض.
وبالنسبة لأسعار الزيت والزيتون لهذا العام فإن متوسط سعر كيلو الزيتون للعام الجاري يتراوح بين 20 إلى 25 شيكل، أما أسعار الزيت الصافي فيقدره المزارع الفلسطيني بمتوسط 100 دينار أردني للجالون الواحد ذات الــ (16 كيلو) حسب نوعه، وهو مبلغ يتناسب مع توقعات المزارعين، بينما يعتبر هذا السعر مرتفع بالنسبة للمواطنين المستهلكين.
وبالرغم من نجاح هذا الموسم الذي يعتبر أهم المواسم الزراعية في فلسطين، فإن هذه الشجرة تواجه تحديات كبيرة وسط دعوات من الزارعين والمهندسين المختصين بالاهتمام بتلك الشجرة التي ارتبطت بالتاريخ الفلسطيني وتراثه، حيث أن من بين التحديات التي تواجه شجرة السلام، انتشار الحشرات والأمراض التي تقلل أحمال أغصان الزيتون.
بالإضافة إلى إن شجرة الزيتون في فلسطين لا تلقى العناية الكافية لا من قبل المزارع ولا من قبل الجهات الرسمية، وأيضا مرض ذبابة الزيتون الذي يبقي التحدي الأكبر وهو أحد الأسباب الرئيسية في ضعف إنتاج شجرة الزيتون، بالإضافة لإشكالات أخرى تتعلق بنقص الخبرات في التعامل مع معاصر الزيتون، مما يؤدي لفاقد من الزيت يصل إلى نحو 15 % أو يزيد حسب الخبراء والمهندسين الزراعيين، وهذه كميات تعتبر كبيرة جدا تٌهدر.
لقد أصبحت شجرة الزيتون رمزاً لفلسطين وقدسيتها، ورمزا للفلسطينيين بعطائها وتجذرها بالتاريخ الفلسطيني والشامي، فيتوجب علينا كمجتمع فلسطيني إحياء ثقافة أهمية شجرة الزيتون في كل أوقات العام وليس في موسم القطاف فحسب، فتتجمع العائلة لقطف الثمار ثم نهملها عاما كاملا، كما يجب أن نعيد الاعتبار لقدسية وفلسطينية شجرة الزيتون رمز السلام والخير في أراضينا المحتلة،وإثبات أن الأرض الفلسطينية غير مستغلة وأشجار الزيتون المعمرة منذ عشرات ومئات السنين تنغرس فيها مزهوة فخورة بإنتماءها لأرض فلسطين.