الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:37 AM
الظهر 11:23 AM
العصر 2:24 PM
المغرب 4:50 PM
العشاء 6:07 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

تقرير خاص| محمود شحدة... ستيني من غزة يقاوم المرض والماء الملوث في خيمة النزوح

خاص- راية

في خيمةٍ واهية أقامها قرب أبراج حمد في خان يونس، يجلس الحاج محمود شحدة، رجل في الستينات من عمره، يروي لإذاعة "راية" فصولاً من معاناةٍ لا تنتهي.

نزح من بيت لاهيا شمال قطاع غزة بعد أن دُمّر بيته هناك، ثم فقد منزلاً آخر في رفح، ليجد نفسه اليوم يعيش في خيمة من الشوادر والخشب، بلا مأوى حقيقي ولا علاجٍ يقيه ألم المرض الذي تسلّل إلى جسده بعد الحرب.

قال الرجل الستيني: “لم أكن أعاني من أي مرض طوال حياتي، لكن الماء الملوّث الذي شربناه أثناء النزوح دمّر كليتي".

الماء الملوث... بداية المأساة

بدأت رحلة الألم حين اضطر محمود وعائلته لشرب المياه القادمة عبر شاحنات “المكروت”، مياه غير صالحة للشرب، تحمل الرمال والملوثات. يقول محمود بصوتٍ متعب: “كنا نعبي الماء في براميل، وكل يوم تزداد الشوائب... حتى وجدت نفسي على سرير المستشفى. قال لي الطبيب: كيف ما انفجرت كليتك؟”

أجريت له عملية طارئة، وركّب له الأطباء أنبوباً طبياً في الظهر لتصريف البول من الكلية المتضررة، بعد أن فقدت وظيفتها تماماً. الأطباء أخبروه أن علاجه غير متوفر في غزة وأنه بحاجة إلى فحص “مسح ذري” وجراحة خارجية عاجلة لإنقاذ كليته الثانية.

لكن منذ أكثر من خمسة أشهر، ينتظر محمود التحويلة الطبية التي لم يُفعَّل تنسيقها حتى الآن.

“قالوا لي يا بتموت في غزة يا بتطلع تتعالج... وأنا ما زلت هنا في الخيمة أغيّر على الجرح بنفسي". يضيف الحاج شحدة.

نظام صحي مشلول ومعاناة يومية

تفاقم مرض محمود في ظل انهيار المنظومة الصحية، حيث لا تتوفر الأدوية ولا حتى الشاش والقطن في المستشفيات. يقول بحسرة: “ذهبت إلى مستشفى ناصر فلم أجد علاجاً. وضعوا لي قطن عادي على الجرح لأن المواد الطبية غير متوفرة".

حالته ليست استثناءً، إذ تشير تقديرات طبية إلى أن أكثر من 16 ألف مريض في غزة بحاجة لإجلاء عاجل للعلاج، بينهم مئات يعانون من أمراض الكلى والكبد، لكن إغلاق المعابر وتعنت الاحتلال يحول دون ذلك.

بين المرض والجوع

يعاني محمود، إلى جانب مرضه، من انعدام الغذاء وسوء التغذية، ما يزيد من خطورة وضعه الصحي.

وقال: “حتى لو لقيت الدواء، ما في أكل يساعد الجسم. كيلو اللحم صار بثمانين شيكل، والناس ما معها ثمن الخبز. الحرب أكلت كل شيء".

يعيش مع زوجته المريضة أيضاً، التي تعاني من آلام مزمنة في الظهر وتحتاج إلى أدوية لا تتوفر في الصيدليات. أما ابنه الوحيد، البالغ من العمر 17 عاماً، فهو عونه الوحيد في مواجهة الحياة اليومية وسط النزوح والفقر والمرض.

نداء أخير

برغم ضعفه، لا يتحدث محمود بلسان الشكوى فقط، بل بلسان الرجاء لكل من يملك أن يسمع صوته: “أناشد الرئيس والجهات المختصة أن ينظروا في حال المرضى، مش لي وحدي، لكل من يعيش في غزة ويموت ببطء لأن لا دواء ولا علاج".

يرفع محمود يده إلى السماء، ويقول بنبرةٍ فيها رجاء لا ينطفئ: “الحرب دمّرت بيوتنا... لكن المرض يدمّر ما تبقّى فينا. أريد فقط أن أعيش لأرى ابني يكمل حياته بسلام".

أزمة إنسانية وصحية متفاقمة

بحسب تقارير وزارة الصحة في غزة ومنظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 70% من سكان القطاع يشربون مياهاً غير صالحة للاستخدام البشري، فيما حذّرت الأمم المتحدة من أن 90% من مصادر المياه الجوفية ملوثة بالملح والنيترات.

كما تقدر الجهات الصحية أن أكثر من مليوني شخص يواجهون خطر الأمراض المنقولة بالمياه، في ظل توقف محطات التحلية وانقطاع الكهرباء ونقص الوقود.

أما على الصعيد الطبي، فتشير بيانات رسمية إلى أن نحو 45 مستشفى ومركزاً طبياً خرجت عن الخدمة كلياً أو جزئياً منذ بدء الحرب، مما جعل الحق في العلاج حياةً مؤجلة لآلاف المرضى مثل محمود.

قصة محمود شحدة ليست مجرد حكاية مريضٍ يبحث عن علاج، بل مرآةٌ لوطنٍ بأكمله يقاوم المرض والدمار بالعزيمة والأمل — على أمل أن يسمع العالم نداءه قبل فوات الأوان.

Loading...