خاص| صورة مفبركة تشعل الفوضى في رام الله.. خبر زائف يختبر وعي المجتمع وخطورة الذكاء الاصطناعي

قبل أيام، انتشرت صورة على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، بدت وكأنها توثق اقتحامًا لأحد البنوك في مدينة رام الله من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي. الصورة أثارت حالة من الذعر والفوضى في الشارع المحيط بالبنك، حيث هرع عدد من المواطنين إلى فروعه لسحب أموالهم، قبل أن يتضح لاحقًا أن الصورة غير حقيقية ومولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي.

وفي حديث خاص لـ"رايــة"، قال الخبير في الإعلام الرقمي والأمن السيبراني إياد الرفاعي إن ما جرى "يؤكد أننا أمام بيئة خصبة لتداول الإشاعات والأخبار الزائفة، خصوصًا عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تُظهر الدراسات أنها تُروّج الأخبار الكاذبة بمعدل أسرع من الأخبار الحقيقية".

وأوضح أن هذه الظاهرة ترتبط بعاملين: الطبيعة البشرية التي تميل إلى تداول الأخبار المثيرة، وآليات عمل المنصات نفسها التي "تُكافئ المحتوى المثير للجدل بالتفاعل والانتشار".

وأضاف الرفاعي أن المرحلة الحالية "شهدت قفزة نوعية في سهولة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي"، مما جعل "أي شخص، بغضّ النظر عن مستواه العلمي أو عمره، قادرًا على إنتاج محتوى قد يكون كاذبًا أو غير مسؤول".

وأشار إلى أننا نعيش اليوم في عصر التزييف العميق (Deepfake)، وهو "جيل جديد من الأخبار المفبركة التي تُنتج باستخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي"، ما يضع المجتمعات أمام تحدٍ أخلاقي وقانوني كبير.

وتعليقًا على الصورة المفبركة التي تسببت في فوضى رام الله، أوضح الرفاعي أن "كل من نشرها كان يمكنه بسهولة ملاحظة شعار تطبيق (Gemini) أسفل يمين الصورة، ما كان سيكشف فورًا أنها مولدة بالذكاء الاصطناعي"، مضيفًا أن التدقيق البسيط لبضع ثوانٍ كان كفيلًا بمنع انتشارها.

كما أشار إلى أن البعض يشارك مثل هذه الصور بدافع الفضول أو بنية تصحيح الخبر، لكن "حتى إعادة النشر بهدف النفي تساهم أحيانًا في توسيع انتشار المعلومات الزائفة"، داعيًا المستخدمين إلى التريّث والتثبت قبل أي مشاركة.

وفي ما يتعلق بغياب الردع القانوني، أكد الرفاعي في حديثه لـ"رايــة" أن "التكنولوجيا تتطور أسرع من القوانين"، موضحًا أن فلسطين، بسبب تعقيداتها السياسية، "ما تزال تفتقر إلى تشريعات واضحة تضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى".

وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي نفسه "ما زال يعمل على صياغة الإطار القانوني النهائي لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والمتوقع إقراره في العام 2026"، في حين يمكن الاستناد حاليًا إلى قوانين الجرائم الإلكترونية أو التزوير وانتحال الشخصية لمحاسبة بعض الحالات.

وأضاف: "المشكلة لا تكمن فقط في النص القانوني، بل في مدى إدراك المشرعين لتطور هذه البرمجيات وسرعتها المذهلة"، مؤكدًا أن ما نراه اليوم من ظواهر "هو فقط القشرة السطحية" لما يمكن أن تفعله تقنيات التزييف.

وحذّر الرفاعي من مخاطر الاحتيال المالي وانتحال الشخصية التي قد ترافق هذه التقنيات، خاصة مع انتشار المعاملات الرقمية، مشيرًا إلى أن الواقع الفلسطيني "يجعل المجتمع أكثر عرضة لهذه المخاطر بسبب هشاشة البنية الأمنية الرقمية وغياب الضوابط الواضحة".