ما هي أزمة السعرين؟
خاص| غزة تحت نار الحرب: مقايضة السلع وبيع النقود.. كيف يعيش الناس وسط شح السيولة؟
خاص - راية
في ظل حرب الإبادة التي تعصف بقطاع غزة منذ شهور، لم تقتصر المعاناة على القصف والدمار والنزوح، بل امتدت إلى تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، حيث باتت عملية البيع والشراء خاضعة لأزمات نقدية خانقة وآليات بديلة تشبه العودة إلى "العصر الحجري".
الصحفي الاقتصادي أحمد أبو قمر أوضح في حديثه لبرنامج "نبض الاقتصاد" عبر إذاعة "راية" أنّ الحرب أحدثت خللاً هيكلياً في أنظمة الدفع، إذ انتشرت المقايضة بين السلع مثل تبادل العدس بالحمص، إلى جانب توسع محدود في استخدام الدفع الإلكتروني، لكنه يتم بسعر أعلى بكثير من النقد المباشر.
وأضاف: "اليوم حتى النقود نفسها تحولت إلى سلعة تباع وتشترى، فالفكة على سبيل المثال يتم استبدال 80 شيكلاً منها بـ100 شيكل ورقية، في مؤشر خطير على حجم أزمة النقد".
وأشار أبو قمر إلى أن شح السيولة ورفض إدخال الأموال من قبل إسرائيل خلق سوقاً سوداء يتحكم بها عدد محدود من التجار الذين يحتكرون الكاش.
وبيّن أن أزمة "السعرين" – بين الكاش والدفع الإلكتروني – استنزفت جيوب المواطنين بشكل كبير، إذ قد يخسر المواطن نصف رصيده البنكي إذا حاول سحب أمواله نقداً.
وفي ما يتعلق بالأسعار، قال أبو قمر إن كيس الطحين (25 كغم) يباع حالياً بـ150 شيكلاً بعد أن تجاوز في ذروة الأزمة أضعاف هذا المبلغ. أما الخضروات فشحيحة جداً، حيث يباع كيلو البندورة بـ60 شيكلاً، والبطاطا بـ35 شيكلاً، في حين تكاد الفواكه تختفي من الأسواق إلا في حالات نادرة وبأسعار خيالية. أما الخيام، وهي ملاذ النازحين، فتصل أسعارها إلى نحو 5000 شيكل، مع اضطرار بعض العائلات لاستئجار أراضٍ زراعية بنحو 1000 شيكل لنصب خيامها عليها.
وعن كلفة النزوح، أوضح أبو قمر أن نقل عائلة من شمال غزة إلى الوسطى أو الجنوب قد يتجاوز 4000 دولار، ما يفسر بقاء مئات الآلاف من المدنيين في مناطق الخطر لعدم قدرتهم على تحمّل نفقات النزوح.
أما فرص العمل، فوصفها أبو قمر بأنها "اقتصاد بقاء"، موضحاً أن بعض المهن البسيطة برزت خلال الحرب مثل ترقيع الملابس والأحذية، تشغيل نقاط شحن الهواتف بالطاقة الشمسية، بيع المياه، أو حتى خبز الأرغفة في المنازل.
وأضاف: "الأسرة تحتاج يومياً إلى نحو 30–40 شيكلاً فقط للبقاء، وهو مبلغ يثقل كاهل معظم الناس".
ولفت إلى أن غياب العدالة الاقتصادية فاقم الأزمة، إذ إن من يملك القوة أو النفوذ يحصل على المساعدات أو يدير عمليات الاستيراد المحدودة، بينما تعجز الأرامل والأسر الفقيرة عن تأمين الغذاء.
واعتبر أبو قمر أن "الحرب الاقتصادية التي تمارسها إسرائيل لا تقل قسوة عن الحرب العسكرية"، مؤكداً أنها سياسة ممنهجة لإبقاء غزة في حالة عوز وتجويع، ومنع إدخال سوى 10% من حاجاتها الطبيعية اليومية.
وختم قائلاً: "المواطن في غزة يضع رأسه على وسادته كل ليلة وهو يتساءل: ماذا سأطعم أطفالي غداً؟"