"العجلات الخضراء" مبادرة أردنية تحول النفايات البلاستيكية إلى عطاء

بين أكياس ملونة مكدّسة وأياد تجمع قطع البلاستيك واحدة تلو الأخرى، تتجلى المسؤولية في عيون المتطوعين المشاركين بمبادرة "العجلات الخضراء" في الأردن، في محاولة مجتمعية لمعالجة مشكلة إعادة تدوير البلاستيك بطرق تخلق فرصا للمواطنين.
فما يبدو مجرد أغطية لعبوات مياه غازية أو عصائر، تحوّل بفضل جهود شبابية في السنوات الماضية إلى مبادرة مجتمعية واسعة، تعالج واحدة من أبرز المخاطر البيئية في الأردن، وتوفر في الوقت ذاته مصدر تمويل لمشاريع إنسانية، آخرها الإسهام في بناء مدرسة مخصصة لذوي الإعاقة.
تقول مؤسسة المبادرة رائدة صبحة، "إن الفكرة ولدت من مقطع مصور أظهر طيورا نافقة في جزيرة نائية بعد ابتلاعها أغطية بلاستيكية صغيرة"، مضيفة "أدركنا أن الغطاء البلاستيكي ليس مجرد قطعة مهملة، بل رصاصة صغيرة قادرة على قتل طائر أو إتلاف معدة حيوان أو تلويث البيئة لأجيال، لذلك قررنا أن نجعل من هذه القطع الصغيرة مدخلا لثقافة إعادة التدوير في الأردن".
وتوضح صبحة أن التركيز على الأغطية جاء لأسباب عملية وبيئية معا، فهي أخطر على الحيوانات من العبوة نفسها، وأكثر تركيزا للبلاستيك من الناحية الكيميائية، إضافة إلى سهولة جمعها وتخزينها، حتى بات الأطفال يتعاملون معها كقطع "ليغو" ملونة، مما شجع المدارس والأسر على الانخراط في الحملة.
مخلفات كبيرة
وتشكل المخلفات البلاستيكية من 15% إلى 20% من حجم النفايات الصلبة في الأردن، أي ما يقارب 405 آلاف طن سنويا من أصل 2.7 مليون طن من هذه الكمية، وفقا لدراسة مشتركة أعدتها وزارة البيئة والبنك الدولي عام 2023.
وبحسب الدراسة، ينتهي نحو 135 ألف طن منها في المدافن الصحية، في حين يتسرب ما يقارب 129 ألف طن إلى البيئة، ليمثل عبئا متزايدا على الصحة العامة والأنظمة البيئية.
وتشير وزارة البيئة إلى أن الأردن لا يعيد تدوير سوى 7% من نفاياته الصلبة سنويا، وهي نسبة متواضعة تسعى لزيادتها عبر برامج وحملات توعية وشراكات مع القطاع الخاص والمجتمع المدني. وعلى مدار سنوات، لم يقتصر أثر مبادرة "العجلات الخضراء" التي تعود إلى عام 2014 على نشر الوعي البيئي، بل تُرجم إلى نتائج ملموسة.
فقد أسهمت في دعم أطفال مرضى الشلل الدماغي، وتأمين كراسيّ متحركة لذوي الإعاقة، ورعاية مبادرات اجتماعية أخرى كان لها أثر مباشر على حياة عشرات الأسر، من خلال إعادة تدوير النفايات البلاستيكية والتبرع بريعها لجمعيات تعنى بالشؤون الإنسانية.
"دوّرها وساعد غيرك"
بالتوازي مع نمو المبادرة، تزايد تفاعل مؤسسات حكومية وخاصة ومدارس وجامعات معها، حتى باتت حالة مجتمعية لافتة.
وجاءت أحدث فعالياتها بعنوان "دوّرها وساعد غيرك" السبت، بتنظيم شعبة الهندسة الكيميائية في نقابة المهندسين الأردنيين بمتنزه غمدان في عمّان.
وشارك فيها متطوعون من مختلف الأعمار، وجُمعت خلالها كميات كبيرة من أغطية العبوات تمهيدا لإرسالها إلى مبادرة "العجلات الخضراء"، على أن يوجَّه ريعها لبناء أول مدرسة ومركز وطني لتأهيل أطفال الشلل الدماغي، وهو الهدف الجديد الذي تتبناه المبادرة بعد انتقالها رسميا إلى مظلة "مركز زها الثقافي" للحفاظ على استمراريتها.
وتؤكد رئيسة اللجنة الاجتماعية في شعبة الهندسة الكيميائية بالنقابة ريم الطريفي الإصرار على إضافة طابع إنساني للمبادرة.
وقالت "أردنا أن نضيف بعدا بيئيا وإنسانيا للحملة، فالبلاستيك يحتاج إلى مئات السنين ليتحلل، وأثناء ذلك يلوث التربة والمياه والهواء ويتسبب بأمراض خطرة مناعية وهرمونية. أما عند حرقه، فتنتج عنه غازات ضارة تؤدي إلى أمراض تنفسية".
توسيع النطاق
وتشرح أن الفعالية ركزت على جمع أنواع البلاستيك المنتشرة بكثرة مثل (PP) و(PET) المستخدمة في عبوات المياه والعصائر وكؤوس الاستخدام الواحد، لسهولة إعادة تدويرها، مؤكدة أن ما جُمِع أرسل إلى مبادرة العجلات الخضراء كي تتحول هذه النفايات إلى قيمة حقيقية.
أما مسؤولة المبادرة في مركز زها الثقافي ياسمين الربابعة، فتوضح -للجزيرة نت- أن المركز يعمل على استدامة هذا المشروع وتطويره عبر توسيع نطاق التنفيذ، إذ يشمل اليوم 70% من الفنادق في الأردن، إضافة إلى أكثر من 100 مدرسة و25 فرعا من فروع المركز، إلى جانب عقد تعاون مع سفارات ومؤسسات حكومية وشركات خاصة وعامة.
وأفادت باستخدام مكوّنات مبتكرة في المبادرة مثل الآلات الذكية لجمع العبوات البلاستيكية، وأكثر من 100 صندوق مخصص لجمع البلاستيك، مع تحفيز الجهود الذاتية لدى فئات المجتمع، لا سيما الأطفال.
يذكر أن التقديرات الأممية تشير إلى أن أكثر من 430 مليون طن من البلاستيك ينتج سنويا في جميع أنحاء العالم، وتصمم نصف هذه الكمية للاستخدام مرة واحدة فقط، وينتهي نحو 23 مليون طن منها في البحيرات والأنهار والمحيطات سنويا، حيث لا يعاد تدوير إلا نحو 10% من مجمل البلاستيك المنتج سنويا في مختلف البلدان.
المصدر: الجزيرة