خاص| القطاع الصحي في غزة ينهار وسط استمرار العدوان والحصار
يواجه القطاع الصحي في غزة أزمة غير مسبوقة، مع استمرار العدوان الإسرائيلي المتواصل الذي أدى إلى تدمير المستشفيات ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، إلى جانب الحصار الخانق الذي يمنع إدخال المعدات الطبية والوقود اللازم لتشغيل سيارات الإسعاف والمرافق الصحية.
وقال مدير البرامج الصحية في جمعية الهلال الأحمر ومدير مستشفى القدس، الدكتور بشار مراد، في حديث خاص لـ"رايــة"، إن القطاع الصحي في غزة يتعرض لاستهداف ممنهج منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر، حيث خرجت 26 مستشفى من أصل 38 عن الخدمة، ولم يتمكن أي منها من العودة للعمل بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول المعدات الطبية ومواد البناء لإعادة الترميم والتشغيل.
وأضاف أن 90% من العيادات تعرضت أيضًا لأضرار بالغة أو خرجت عن الخدمة، وسط استمرار أوامر الإخلاء الإسرائيلية التي تهدد المراكز الصحية المتبقية، مما يضع حياة آلاف المرضى في خطر.
معبر رفح مغلق والوقود ممنوع.. سيارات الإسعاف متوقفة
وأشار مراد إلى أن معبر رفح مغلق منذ أكثر من 20 يومًا، مما أدى إلى تفاقم أزمة الإمدادات الطبية، موضحًا أن إسرائيل تمنع دخول الأجهزة الطبية وقطع الغيار اللازمة للمعدات الحيوية، بما في ذلك المولدات الكهربائية وقطع غيار سيارات الإسعاف.
وكشف أن 30 سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني توقفت عن العمل بسبب نفاد الوقود بالكامل، مما يعيق عمليات إنقاذ المصابين ونقلهم إلى المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل جزئيًا.
عشرات الآلاف من المصابين دون علاج مناسب
وأكد مراد أن عدد المصابين منذ بدء العدوان تجاوز 111,000 إصابة، بينهم 22,000 بحاجة إلى عمليات جراحية معقدة، لكن المستشفيات المتاحة غير قادرة على استيعاب هذه الأعداد بسبب نقص الأسرّة والمعدات.
وأضاف: "قبل الحرب، كان هناك 2,000 سرير متاح في مستشفيات شمال غزة، والآن لا يوجد سوى 450 سريرًا فقط، أي أقل من ربع القدرة الاستيعابية السابقة".
إغلاق المعابر يُفاقم معاناة المرضى
أوضح مراد أن 15,000 مريض بحاجة إلى تحويل للعلاج خارج القطاع، لكن منذ وقف إطلاق النار لم يتمكن سوى 1,500 مريض من المغادرة، بسبب القيود الإسرائيلية على معبر رفح.
وقال: "إغلاق المعبر يعطل عمليات الإجلاء الطبي، وهناك حالات حرجة تموت يوميًا بسبب عدم توفر العلاج اللازم داخل غزة"، مؤكدًا أن الأولوية في التحويلات تُمنح للحالات الأكثر خطورة، لكن العدد الهائل من المصابين يجعل التعامل مع الأزمة شبه مستحيل.
دمار كامل لمنظومة الرعاية الصحية
وفي حديثه عن حاجة القطاع الصحي للدعم، أشار مراد إلى أن منظمة الصحة العالمية قدرت الحاجة إلى أكثر من 10 مليارات دولار لإعادة تأهيل النظام الصحي المدمر في غزة.
لكنه أكد أن المساعدات الطبية التي وصلت منذ وقف إطلاق النار ضئيلة جدًا، ولم يُسمح بإدخال أي أجهزة طبية جديدة، رغم الدمار الذي لحق بالمستشفيات، وخاصة مجمع الشفاء الطبي، الذي تعرض لتدمير شامل.
وأضاف: "تمكنا من إدخال مستشفى ميداني تبرعت به الكويت، ونقلناه من خانيونس إلى غزة، لكنه لا يكفي لسد العجز الهائل في الخدمات الطبية".
جثث تحت الأنقاض وكارثة صحية محتملة
وحذر مراد من كارثة صحية كبيرة بسبب الجثث التي لا تزال تحت الأنقاض، مشيرًا إلى أن هناك أكثر من 10,000 جثة مدفونة تحت الركام، ولم يتمكن الدفاع المدني من انتشال سوى الجثث التي كانت ظاهرة.
وأوضح أن إسرائيل تمنع إدخال المعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الأنقاض وانتشال الجثث، مما يزيد من خطر تفشي الأوبئة والأمراض.
مرضى الفشل الكلوي والقلب يفقدون حياتهم بسبب نقص العلاج
وكشف مراد أن 40% من مرضى الفشل الكلوي في غزة فارقوا الحياة بسبب عدم قدرتهم على تلقي جلسات الغسيل الكلوي بشكل منتظم، حيث تم تقليص عدد الجلسات من ثلاث مرات أسبوعيًا إلى جلستين فقط، ولفترة أقصر، ما أدى إلى مضاعفات خطيرة.
كما أشار إلى أن عمليات جراحة القلب والقسطرة القلبية توقفت بالكامل بسبب تدمير الأجهزة الطبية ونقص المستلزمات الأساسية، مما تسبب في وفاة العديد من المرضى الذين كانوا بحاجة إلى تدخل طبي عاجل.
ذوو الإعاقات الجدد يعيشون مأساة مضاعفة
أكد مراد أن أكثر من 5,000 شخص تعرضوا لبتر الأطراف، إضافة إلى أكثر من 2,000 شخص يعانون من إصابات في النخاع الشوكي أو شلل نصفي، موضحًا أن هؤلاء المرضى يعيشون في ظروف مأساوية داخل الخيام، دون أي تجهيزات أو أطراف صناعية تساعدهم على التأقلم.
وقال: "غزة كانت تمتلك مراكز قادرة على تركيب 500 طرف صناعي سنويًا فقط، والآن نحن بحاجة إلى 10 سنوات على الأقل لتغطية احتياجات المصابين الجدد"، داعيًا إلى إنشاء مركز متخصص لإعادة تأهيل هؤلاء المرضى، أو تسهيل تحويلهم إلى الخارج.
إدخال المستشفيات الميدانية لا يزال محدودًا جدًا
وحول المساعدات الطبية الطارئة، أوضح مراد أن عدد المستشفيات الميدانية التي سُمح بإدخالها إلى غزة ضئيل جدًا، حيث لم يُسمح سوى بإدخال المستشفى الكويتي، بينما لم يتم تشغيل المستشفى القطري الميداني بكامل طاقته، بسبب منع الاحتلال إدخال المعدات الطبية الحيوية مثل غرف العمليات وأجهزة الأشعة.
وقال: "ما زلنا ننتظر الموافقة على إدخال مستشفى ميداني جديد إلى شمال غزة، لكن حتى الآن لم يتم السماح به"، مشددًا على أن الوضع الصحي في غزة يزداد كارثية مع استمرار الحصار والتصعيد العسكري.
نداءات عاجلة لإنقاذ المنظومة الصحية
اختتم مراد حديثه بدعوة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلى التدخل العاجل لإدخال المعدات الطبية والوقود والمساعدات اللازمة لإعادة تشغيل المستشفيات المتوقفة، محذرًا من أن استمرار الوضع الحالي يعني المزيد من الضحايا ومأساة إنسانية غير مسبوقة في غزة.