الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:42 AM
الظهر 11:51 AM
العصر 3:09 PM
المغرب 5:45 PM
العشاء 7:00 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

تعزيز التنافسية الأوروبية يؤسس لمستقبل اقتصادي أفضل من خلال تبني نهج الحد من المخاطر

في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، جاء تقرير رئيس الوزراء الإيطالي السابق ورئيس البنك المركزي الأوربي السابق، ورئيس الوزراء الإيطالي السابق، ماريو دراغي، والذي يعتبر خبيراً اقتصادياً وسياسياً مرموقاً، ليشكل نقطة تحول في النقاش حول مستقبل التنافسية الأوروبية. التقرير، الذي كُلف به دراغي من قبل المفوضية الأوروبية، والذي صدر في الربع الأخير من العام 2024، سلط الضوء على الحاجة الملحة لإصلاحات هيكلية جذرية تعزز القدرة الاقتصادية للاتحاد في مواجهة المنافسة العالمية، من خلال رؤية طموحة، تقوم على ركائز أبرزها: زيادة الاستثمار العام والخاص، وتبسيط القوانين التنظيمية، وتحفيز الابتكار الصناعي، وتبني نهج يتجاوز السياسيات التقليدية القائمة على الحذر، مع استراتيجية أكثر جرأة تعتمد على الحد من المخاطر لاستدامة النمو الاجتماعي والاقتصادي.

وبصدور هذا التقرير، وجدت أوروبا نفسها عند مفترق طرق حاسم لم يعد بالإمكان تأجيل اختيار أحد الطرق ضمنه والمضي قدماً فيه، فإما الإصلاح العميق أو الركود الاقتصادي. وبين التقرير الحاجة الملحة للتغيير الجذري في النهج المتبع تجاه الابتكار والتنظيم، وذلك من أجل القضاء على معيقات الإصلاح والنمو الاقتصادي، والتي يتصدرها من جهة التنافس العالمي المتزايد الذي تواجهه دول الاتحاد الأوروبي بسبب تقدم الولايات المتحدة الأمريكية والصين بسرعة في القطاعات التكنولوجية الرئيسية، فيما لا تزال هي من جهة أخرى، عالقة في هيكل صناعي جامد مثقل باللوائح الصارمة التي تعيق الابتكار في كثير من الأحيان.

وأوضح التقرير أن تبني نهج جديد يتجاوز مبدأ الحيطة والحذر، حلاً عملياً قادراً على معالجة جزء كبير من المشكلات الاقتصادية والصناعية التي تعاني منها أوروبا منذ فترة طويلة. ويقوم النهج الجديد الذي دعى التقرير إليه على تجنب الحظر الوقائي الشامل، والذي قد يكون المفتاح لإنعاش النمو المتعثر في أوروبا. وفي هذا السياق، فقد بين التقرير ضرورة استكشاف الفرص الواعدة في بعض القطاعات الصناعية مثل قطاع السيارات، والأغذية، والسوق الناشئة للمنتجات التكنولوجية لاستهلاك النيكوتين كبديل للتدخين، وهي التي بدأت بالفعل في تطبيق مبدأ "الحد من المخاطر"، تحقيقاً لفوائد أكبر للأفراد، والاقتصاد، والشركات، وباختصار، للمجتمع ككل.

وأشار التقرير إلى أن سد فجوة الابتكار مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين ستسهم في إعادة إطلاق قدرات أوروبا التنافسية الاقتصادية والصناعية والإنتاجية، الأمر الذي يتطلب استثمارات أكبر من تلك الحالية التي تقدر بنصف ما تستثمره نظيرتيها الأمريكية والصينية، وهو ما أدى إلى عجز بلغ حوالي 270 مليار يورو في عام 2021. وتُظهر الدراسات الحديثة أن هذا العجز يرجع إلى هيكل صناعي شبه "جامد"، حيث نادراً ما تظهر شركات جديدة (بما في ذلك الشركات الناشئة) قادرة على إحداث تغيير في القطاعات القائمة أو تطوير محركات نمو جديدة.

هذا وتؤدي القوانين التنظيمية الصارمة في أوروبا إلى تباطؤ الابتكار وتسويق التكنولوجيا، وهو تحدٍّ تم انتقاده مراراً، لكنه لم يُعالج بفعالية من قبل الهيئات الأوروبية. وبالنظر إلى إحصائياً جرت عام 2024، يرى أكثر من 60% من

الشركات الأوروبية أن هذه اللوائح تعيق الاستثمار، بينما تواجه 55% من الشركات الصغيرة والمتوسطة صعوبات تنظيمية فعلية، إلى جانب الأعباء الإدارية التي تُعد التحدي الأكبر.

وهنا تبرز أهمية التخلي عن النهج التقليدي القائم على مبدأ الحيطة المهيمن في أوروبا لعقود، والذي تحول في الغالب إلى عائق أمام الابتكار، فيما لم يؤد الغرض الأساسي منه بحماية المواطنين والبيئة من المخاطر المحتملة، لأنه يقوم على تنظيم وقائي للممارسات التجارية لتجنب المخاطر المستقبلية، ولكن غالباً دون تقييم كامل للتكاليف والفوائد.

وأشار دراغي بأن التحول إلى نهج الحد من المخاطر يعني تبني نهجاً أكثر توازناً، يعترف بالفوائد المحتملة للابتكار مع إدارة المخاطر المصاحبة له. وقال دراغي بأن هذا النهج يُطبَّق بالفعل بنجاح في العديد من القطاعات الصناعية، وقد يمثل فرصة حقيقية لقطاعات أخرى مستقبلية لإدارة تطوير الاقتصاد الحقيقي بطريقة أكثر واقعية وفعالية.

وفي جزئية منه، تحدث التقرير حول منتجات النيكوتين البديلة، مبينأً أن تبني مبدأ الحد من المخاطر معها كبديل عن الأنظمة الصارمة للتنظيم الوقائي، يتطلب بالضرورة مواجهة الانتقادات التي ترى في هذه الاستراتيجية مجرد وسيلة تسويقية لاستقطاب مستهلكين جدد. وفي هذا الصدد، تطرق التقرير إلى دراسة صادرة عن معهد ماريو نيجري في بيرغامو، وهو مركز بحثي متخصص في الأبحاث الدوائية والعلوم الطبية، أفادت بأن نهج الحد من المخاطر يضع في الاعتبار أهمية وضع تنظيم متوازن، بحيث يتم تشجيع المنتجات البديلة الأقل مخاطر، دون الترويج غير المباشر لاستهلاك التبغ، وبالتالي الحد من جذب الشباب وإدخالهم في دائرة الإدمان الذي قد يتسبب النيكوتين به.

ولتوضيح الأمر على نحو أكثر دقة، فمثلما يواجه قطاع التبغ تحديات بيئية، فكذلك الحال مع قطاع السيارات الذي يمر بمرحلة تحول لمواكبة معايير الاستدامة في أوروبا عبر الابتكار التكنولوجي دون التخلي التام عن المركبات التقليدية؛ حيث تشمل الجهود الرئيسية تطوير السيارات الكهربائية والهجينة، وتحسين كفاءة محركات الاحتراق، وتعزيز أنظمة الأمان لتقليل الانبعاثات وتحقيق الأهداف المناخية للاتحاد الأوروبي. ورغم استثمارات كبرى الشركات في التنقل المستدام، فإن التحول يواجه تباطؤاً نظراً لحاجة الأفراد اليومية للتنقل، والتي تظل عاملاً أساسياً في اقتصاد أوروبا.

قطاع الأغذية ليس استثناء؛ إذ تعدل الشركات منتجاتها للحد من تأثيرها السلبي على الصحة، دون إلغائها تماماً كما كان يطلب سابقاً في أوروبا. وتشمل الجهود في هذا المجال اللجوء لتقليل السكر والدهون والملح، وتقديم أحجام أصغر، وتحسين الشفافية في الملصقات الغذائية لمساعدة المستهلكين على اتخاذ خيارات صحية في نهج يوازن بين مكافحة السمنة والسكري ويحافظ على حرية الاختيار وديناميكية السوق، متجنباً القيود الصارمة التي قد تؤثر على الاقتصاد.

وخلص تقرير دراغي إلى أن نهج الحد من المخاطر يقدم العديد من المزايا التي يتصدرها تشجيع الابتكار الذي تفتقر إليه أوروبا، والذي يدفع بتطوير التقنيات والمنتجات البديلة التي تقلل الأثر السلبي وتعزز البحث والتطوير، كما أنه يحقق توازناً بين المصالح الاقتصادية والاجتماعية، حيث يتجنب فرض حظر كامل قد يؤدي إلى أضرار اقتصادية، مع الحفاظ على الصحة العامة وحماية البيئة، مما يعزز التنافسية العالمية، إذ يمكن للشركات الأوروبية تقديم منتجات

مبتكرة في الأسواق الدولية، مما يعزز مكانتها، هذا فضلاً عن الإسهام في تحسين جودة الحياة من خلال توفير بدائل أكثر أماناً دون فرض قيود مفرطة تعيق النمو والتطور.

وأوصى دراغي بأجندة تنظيمية أكثر كفاءة من خلال اتخاذ إجراءات تخفف العبء التنظيمي على الشركات وتعزز الابتكار والتنافسية، ومنها: إجراء اختبار تنافسية موسّع لكل التشريعات الجديدة لتقييم تأثيرها التراكمي من حيث التكاليف الإدارية والامتثال، وإشراك القطاع الصناعي في صياغة اللوائح التنظيمية لضمان قابليتها للتطبيق ودعمها للابتكار، إلى جانب تخفيف الأعباء عن الشركات الصغيرة والمتوسطة عبر تنفيذ التخفيض المستهدف بنسبة 25% في الالتزامات الإدارية، مع العمل على تقليلها إلى 50%.

Loading...