الصحة بغزة لراية: الاحتلال دمّر القطاع الصحي بالكامل ويمنع إنقاذ المستشفيات
رغم توقف العدوان على غزة، إلا أن الأزمة الصحية لا تزال تتفاقم وسط دمار واسع ونقص حاد في الإمدادات الطبية، مما يجعل الوضع كارثيًا على آلاف المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية عاجلة. المستشفيات المدمرة، والنقص في الأجهزة الطبية والوقود، كلها عوامل جعلت النظام الصحي في غزة على شفا الانهيار، في وقت لا تزال فيه إمدادات المساعدات غير كافية لسد الاحتياجات الأساسية.
وقال مدير عام وزارة الصحة في قطاع غزة، منير عبد الله البرش، في حديثٍ خاص لـ"رايـــة"، إن الاحتلال الإسرائيلي ترك القطاع الصحي مدمّرًا بالكامل، حيث تم إخراج 25 مستشفى من أصل 38 في غزة عن الخدمة، سواء في القطاع العام أو الخاص، بينما تعمل المستشفيات المتبقية بشكل جزئي فقط.
وأضاف أن خدمات حيوية وأساسية كعلاج مرضى السرطان، القسطرة القلبية، وخدمات المختبرات توقفت تمامًا، مما يعني أن المرضى الذين يعتمدون على هذه العلاجات يواجهون خطر الموت بصمت، دون أي إمكانية لتشخيص أمراضهم أو التدخل لعلاجهم.
وأشار البرش إلى أن 350 ألف مريض مزمن يعانون من أمراض الضغط والسكري باتوا مهددين بمضاعفات قاتلة بسبب غياب الرعاية الطبية، مشيرًا إلى أن أمراض القلب هي السبب الأول للوفيات في غزة، ومع تعطّل خدمات القسطرة القلبية والعلاجات المتخصصة، فإن عدد الوفيات في تزايد مستمر.
الاحتلال يعرقل إدخال المعدات والوقود اللازم لتشغيل المستشفيات
وأوضح البرش أن الاحتلال يتعمد تأخير إدخال المستلزمات الأساسية لتشغيل المستشفيات، مثل محطات الأكسجين والمولدات الكهربائية، مما يزيد من صعوبة إعادة تشغيل المرافق الطبية المغلقة.
وأضاف أن إدخال بعض المساعدات الدوائية والمستلزمات الطبية لم يكن كافيًا، حيث لم تتجاوز كمية المساعدات التي دخلت خلال فترة وقف إطلاق النار 90 شاحنة فقط، وهي كمية تستهلك يوميًا في المستشفيات، ولا تساهم في إنعاش النظام الصحي المنهار.
وأشار إلى أن هناك جهودًا لإعادة تشغيل المستشفى الإندونيسي، حيث تعمل الفرق الطبية على تجميع بقايا محطات الأكسجين المدمرة لمحاولة تشغيله، معربًا عن أمله في أن يتم ذلك خلال اليومين القادمين، مما سيمكن المستشفى من إعادة تقديم خدماته الحيوية للمرضى.
مرضى السرطان وغسيل الكلى في خطر.. والوفيات في ارتفاع
وحول أوضاع المرضى ذوي الحالات الحرجة، قال البرش إن مرضى السرطان وغسيل الكلى من أكثر الفئات تضررًا، مشيرًا إلى أن الإحصاءات الأخيرة كشفت وفاة 40% من مرضى غسيل الكلى الذين عادوا إلى غزة بسبب توقف العلاجات الأساسية، وهو رقم مفزع يعكس حجم الكارثة.
وأكد أن عدد الوفيات الناجمة عن فقدان الخدمات الصحية يفوق بكثير عدد الشهداء الذين سقطوا جراء العدوان المباشر، حيث يموت المرضى بصمت نتيجة انعدام الرعاية الطبية وعدم توفر الأدوية والعلاجات المنقذة للحياة.
95% من المنازل مدمّرة في شمال غزة.. والناس يعيشون وسط الركام
ووصف البرش الوضع في شمال غزة بالكارثي، حيث اختفت معالم المدن بالكامل بسبب حجم الدمار الهائل. وقال: "عندما تذهب إلى شمال غزة، تشعر وكأنك في منطقة منكوبة لا معالم فيها، الشوارع غير موجودة، المنازل مدمّرة بالكامل، الناس يسكنون في الخيام وسط البرد القارس، لكنهم يرفضون مغادرة أراضيهم رغم قسوة الظروف."
وأشار إلى أن الأهالي يبنون مساكنهم من بقايا الأنقاض، ويحاولون التأقلم في ظل غياب أي مقومات للحياة، بينما تعمل بعض المؤسسات على حفر آبار المياه وإقامة المخيمات المؤقتة لتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية.
تحرّك دولي لإنشاء مستشفيات ميدانية ولكن الأزمة مستمرة
وحول الجهود الدولية لدعم القطاع الصحي، أوضح البرش أن المؤسسات الدولية بدأت بتحرك أكثر جدية خلال الأيام الأخيرة، حيث وصلت وفود طبية لإنشاء مستشفيات ميدانية وتقديم بعض الدعم للكوادر الصحية.
وأكد أن الوضع الآن أفضل مما كان عليه خلال فترة الحرب، حيث كانت القيود الإسرائيلية تمنع حتى دخول الفرق الطبية إلى غزة.
الكوادر الطبية تدفع الثمن الأكبر.. استشهاد واعتقال المئات من الأطباء
وأكد البرش أن الكوادر الطبية في غزة دفعت ثمنًا باهظًا خلال العدوان، حيث استشهد أكثر من 1050 طبيبًا وكادرًا صحيًا، واعتُقل أكثر من 350 آخرين، مما جعل القطاع الصحي يفقد نخبة من أطبائه وكوادره المدربة.
وأشار إلى أن العديد من الأطباء لا يجدون مساكن بعد أن دُمّرت بيوتهم بالكامل، واضطروا للنوم في الدرج أو في العراء، مما دفع الوزارة إلى تخصيص قطعة أرض في منطقة الزعتر لإقامة مخيمات مخصصة للكوادر الطبية، ليتمكنوا من مواصلة عملهم في المستشفيات الميدانية.